وهاتان القراءتان تحتملان أن تكونَ "حَصِراتٍ" و"حاصراتٍ" نصباً على الحال، أو جراً على الصفة لـ "قوم"، لأنَّ جمع المؤمنث السلم يتسوي جَرُّه ونصبه إلا أنَّ فيهما ضعفاً من حيث إنَّ الوصف الرافعَ لظاهرٍ الفصيحُ فيه أن يُوَحَّد كالفعلِ أو يُجْمَعَ جَمْعَ تسير ويَقِلُّ جمعُه تصيحيحاً، تقول: مررت بقومٍ ذاهب جواريهم، أو قيام جواريهم، ويَقَلُّ: "قائماتٍ جواريهم" وقرئ "حَصِرةٌ" بالرفع على أنه خبر مقدم، و"صدوُرهم" مبتدأ، والجمةل حال أيضاً. وقال أبو البقاء. "وإن كان قد قرئ "حصرةٌ" بالرفع، فعلى أنه خبر، و"صدورهم"مبتدأ، والجملةُ حال".
قول: ﴿أَن يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ أصلُه: عن أَنْ، فلمَّا حُذِف حرف الجر جرى الخلاف المشهور: أهي في محل جر أو نصب؟ والحَصْرُ: الضيق، وأصلُه في المكان ثم تُوُسِّع فيه، قال:
١٦٣٨- ولقد تَسَقَّطَني الوشاة فصادَفُوا * حَصِراً بسِرِّكِ يا أُميمُ ضَنِيناً
وقوله: ﴿فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ اللام جواب "لو" لعطفِه على الجواب، وقال ابن عطية: "هي لامُ المحاذاة والازدواج بمثابةِ الأولى، لو لم تكن الأولى كنت تقول "لقاتلوكم" وهي تسميةٌ غريبة، وقد سبقه إليها مكي. والجمهور على "فَلَقاتلوكم" من المُفاعلة. ومجاهد وجماعة: "فَلقتلوكم ثلاثياً" والحسن والجحدري: "فلقتَّلوكم" بالتشديد وقرأ الجحدري: "السَّلْم" بفتحِ السين وسكوِن اللام، والحسنُ بكسرها وسكون اللام. قوله: ﴿لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ "لكم" متعلق بـ "جَعَل" و"سبيلاً" معفولُ "جَعَل" و"عليهم حالٌ من "سبيلاً" لأنه في الأصل صفةُ نكرةٍ قُدِّم عليها، ويجوز أن تكونَ "جعل" بمعنى "صَيَّر" فيكونُ "سبيلاً" مفعولاً أولَ، و"عليهم" مفعولٌ ثان قُدِّم.
(٥/٨٩)
---