قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾: قد تقدَّم نظيرُ هذا التركيب: ﴿مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ﴾ و"إلا خَطَأًط فيه أربعة أوجه، أحدثهم: أنه استثناء منقطع - وهو قولُ الجمهور - إنْ أُريد بالنفي معناه، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ متصلاً إذ يصير المعنى: إلا خطأ فله قتلُه. والثاني: أنه متصلٌ إنْ أريد بالنفي التحريمُ، ويصير المعنى: إلا خطأ بأن عَرَفَه كافراً فقتله ثم كَشَف الغيبُ أنه كان مؤمناً. الثالث: أنه استثناء مفرغ، ثم في نصبهِ ثلاثة احتمالات، الأول: أنه مفعولٌ له أي: ما ينبغي له أن يقتلَه لعلة من العلل إلا لخطأِ وحدَه، الثاني: أنه حال أي: ما ينبغي له أن يقتلَه في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ. الثالث: أنه نعتث مصدرٍ محذوف أي: إلا قَتْلاً خطأ، ذكر هذه الاحتملاتِ الزمخشري. الرابع من الأوجه: أن تكونَ "إلا" بمعنى "ولا" والتقدير: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً عمداً ولا خطأ، ذَكَره بعضُ أهل العلم، حكى أبو عبيدة عن يونس قال: "سألتُ رؤبة بن العجاج عن هذه الآية فقال: "ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأ" فأقام "إلا" مقامَ الواوِ، وهو كقول الشاعر:
١٦٣٩- وكلُّ أخٍ مفارِقُه أخوه * لَعَمْرُ أبيك إلا الفرقدانِ
إلا أن الفراء ردَّ هذا القولَ بأن مثل ذلك لا يجوزُ، إلا إذا تقدَّمه استثناء آخر فيكونُ الثاني عطفاً عليه كقوله:
١٦٤٠- ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ * دارُ الخليفةِ إلا دارُ مروانا
وهذا رأي الفراء، وأمَّا غيرُه فيزعم أن "إلا" تكون عاطفة بمعنى الواو من غير شرط، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في قوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ
(٥/٩١)
---