وفي وصب الرحيم بالحمد ثلاثة أوجهٍ، الذي عليه الجمهور: الرحيمِ بكسر الميم موصولةً بالحمد. وفي هذه الكسرة احتمالان: أحدهما -وهو الأصحُّ- أنها حركةُ إعرابٍ، وقيل: يُحتمل أنَّ الميم سَكَنَت على نية الوقف، فلمَّا وقع بعدها ساكن حُرِّكت بالكسر. والثاني من وَجْهَي الوصل: سكونُ الميمِ والوقفُ عليها، والابتداءُ بقطع ألف "الحمد"، رَوَتْ ذلك أم سلمة عنه السلام. الثالث: حكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ: الرحيمَ الحمدُ" بفتح الميم ووصل ألف الحمد، كأنها سكنَّت وقطعَتِ الألفَ، ثم أَجْرت الوقف مُجرى الوصل، فألقَتْ حركة همزة الوصل على الميم الساكنة. قال ابن عطية: "ولم تُرْوَ هذه قراءةً عن أحد [فيما علمت، "وهذا فيه نظرٌ يجيئ في: ﴿الاما اللَّهُ﴾ قلت: يأتي تحقيقه في آل عمران إن شاء الله تعالى، ويحتمل هذا وجهاً آخر وهو أن تكونَ الحركةُ للنصبِ بفعل محذوفٍ على القطع]، وهو أوْلَى من هذا التكلُّف.
* ﴿ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الحمدُ: الثناءُ على الجميل سواءً كان نعمةً مُسْداةً إلى أحدٍ أم لا، يقال: حَمِدْتُ الرجل على ما أنعم به عليَّ وحَمِدْته على شجاعته، ويكون باللسان وحدَه دونَ عملِ الجَوارح، إذ لا يقال: حَمِدْت زيداً أي عَمِلْتُ له بيديَّ عملاً حسناً، بخلافِ السكر فإنه لا يكونُ إلاَّ نعمةً مُسْدَاةً إلى الغيرِ، يقال: شكرتُه علفى ما أعطاني، ولا يقال: شكرتُه على شجاعته، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، قال تعالى: ﴿اعْمَلُوااْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾ وقال الشاعر:
٣٤- أفادَتْكُمُ النَّعْماءُ مني ثلاثةً * يدي ولساني والضميرَ المُحَجَّبا
(١/١٩)
---


الصفحة التالية
Icon