قوله تعالى: ﴿مِّن طِينٍ﴾: فيه وجها، أظهرهما: أنه متعلِّقٌ بـ"خَلَقكم" و"مِنْ" لابتداء الغاية. والثاني: أنه متعلِّق بمحذوف على أنه حال، وهل يُحتاج في هذا الكلام إلى حَذْفِ مضاف أم لا؟ خلاف: ذهب جماعة كالمهدويِّ ومكي وجماعة إلى أنه لا حَذْفَ، وأن الإنسان مخلوقٌ من الطين، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولودٍ يولد إلا ويُذَرُّ على النطفة نم تراب حفرته". وقيل: إن النطقة أصلها الطين. وقال غالب المفسرين: ثمَّ محذوفٌ أي: خَلَقَ أَصْلَكم أو أباكم من طينٍ، يعنون آدم وقصته المشهورة. وقال امرؤ القيس:
١٨٥٩- إلى عِرْقِ الثَّرى رَسَخَتْ عُروقي * وهذا الموتُ يَسْلُبُني شبابي
قالوا: أراد بعِرقْ الثرى آدم عليه السلام لأنه أصلُه.
قوله: ﴿ثُمَّ قَضَى﴾ إن كان "قضى" بمعنى أظهر فـ "ثُمَّ" للترتيب الزماني على أصلها؛ لأنَّ ذلك متأخرٌ عن خَلْقِنا وهي صفة فعل، وإن كان بمعنى كَتَب وقَد‍َّر فهي للترتيب في الذِّكْر؛ لأنها صفة ذات، وذلك مُقَدَّم على خَلْقنا.
قوله: ﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ مبتدأ وخبر، وسوَّغ الابتداء هنا شيئان، أحدهما: وَصْفُه، والثاني: عَطْفُه، ومجرَّدُ العطف من المسوغات، قال:
١٨٦٠- عندي اصْطِبارٌ وشَكْوى عند قاتلتي * فهل بأعجبَ مِنْ هذا امرؤٌ سَمِعا
والتنكير في الأجلين للإبهام. وهنا مُسَوِّغٌ آخر وهو التفصيل كقوله:
١٨٦١- إذا ما بكى مِنْ خلفِها انصرفَتْ له * بشِقٍ وشِقٌ عندنا لم يُحَوَّلِ
(٦/١١٩)
---


الصفحة التالية
Icon