قوله: ﴿مِن بَعْدِهِمْ﴾ متعلق بـ "أنشأنا" قال أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون حالاً من "قرن" لأنه ظرف زمان" يعني أنه لو تأخر عن قرن لكان يُتَوَهَّم جوازث كونه صفةً له، فلما قُدِّم عليه قد يوهم أن يكون حالاً منه، لكنه منع ذلك كونُه ظرفَ زمان، والزمان لا يُخبر به عن الجثث ولا يوصف به، وقد تقدم لك أنه يصِحُّ ذلك بتأويلٍ ذكرته في البقرة عند قوله: ﴿وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ و"آخرين" صفة لـ"قَرْن" لأنه اسم جمعٍ كقوم ورهط، فلذلك اعتُبر معناه، ومن قال: إنه الزمان قَدَّر مضافاً أي: أهل قرن آخرين، وقد قَدَّمْتُ أنَّه مرجوح.
* ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿فِي قِرْطَاسٍ﴾: يجوز أن يتعلق بمحذوف على انه صفة لكتاب، سواء أريد بكتاب المصدرُ أم الشيء المكتوب. ويجوز أن يتعلَّق بنفس "كتاباً" سواء أريد به المصدر أم الشيء المكتوب. ومن مجيء الكتاب بمعنى مكتوب قوله:
١٨٦٩-............... صحيفةً * أَتَتْكَ من الحَجَّاج يُتْلى كتابُها
وفي النفس مِنْ جَعْلِ "كتاباً" في الآية الكريمة مصدراً شيء؛ لأن نفس الكتاب لا تُوصف بالإنزال إلا بتجوُّز بعيد، ولكنهم قد قالوه هنا، ويجوز أن يتعلَّق "في قرطاس" بـ"نَزَّلْنا".
والقِرْطاس: الصحيفة يُكتب فيها تكون من رَقَّ وكاغد، بكسر القاف وضمها، والفصيح الكسر، وقرئ بالضم شاذاً نقله أبو البقاء والقِرْطاس: اسم أعجمي معرَّب، ولا يقال قرطاس إلا إذا كان مكتوباً وإلا فهو طِرْس وكاغَد، وقال زهير:
١٨٧٠- لها أخاديدُ مِنْ آثارِ ساكنها * كما تردَّدَ في قِرْطاسِه القلمُ
(٦/١٣٣)
---