قوله تعالى: ﴿مَّا يَلْبِسُونَ﴾: في "ما" قولان، أحدهما: أنها موصولة بمعنى الذي أي: ولَخَلَطْنَا عليهم ما يخلطون على أنفسهم أو على غيرهم، قاله أبو البقاء وتكون "ما" حينئذ مفعولاً بها. الثاني: أنها مصدرية أي: ولَلَبَسْنا عليهم مثل ما يلبسون على غيرهم ويسلكونهم. وقرأ ابن محيصن: "ولَبَسْنا" بلام واحدة هي فاء الفعل، ولم يأت بلام في الجواب اكتفاءً بها في المعطوف عليه. وقرأ الزُّهري "ولَلَبَّسْنا" بلامين وتشديد الفعل على التكثير.
* ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ﴾: قرأ حمزة وعاصم وأبو عمرو بكسر الذال على أصل التقاء الساكنين، والباقون بالضم على الإتباع، ولم يبالَ بالساككن لأنه حاجزٌ غيرُ حصين، وقد قرَّرْتُ هذه القاعدة بدلائلها في البقرة عند قوله: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ و"برسلٍ" متعلق بـ"استهزئ". و"مِنْ قبلك" صفة لرسل، وتأويلُه ما تقدَّم في وقوع "من قبل" صلة.
قوله: ﴿فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ﴾ فاعل حاق: "ما كانوا" و"ما" يجوز أن تكون موصولةً اسمية، والعائد الهاء في "به" و"به" يتعلق بـ"يستهزئون" و"يستهزئون" خبر لـ "كان"، و"منهم" متعلق بسخروا، على أنَّ الضمير يعدو على الرسل، قال تعالى: ﴿إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ ويجوز أن يتعدَّى بالباء نحو: "سِخِرْت به، ويجوز أن يتعلَّق "منهم" يعدو على الساخرين. وقال أبو البقاء: "على المستهزئين" وقال الحوفي: "على أُمَمِ الرسل".
(٦/١٣٥)
---