ورَدَّ ابن عطية هذا بأنه يلزم دخولُ نونِ التوكيد في الإيجاب قال: "وإنما تدخل على الأمر والنهي وجواب القسم". ورَدَّ الشيخ حصر ابن عطية وردَ نون التوكيد فيما ذكر. وهو صحيح، وردَّ كونَ "ليجمعنَّكم" بدلاً من الرحمة بوجه آخر، وهو أنَّ "ليجمعنَّكم" جوابُ قسمٍ، وجملة الجواب وحدها لا موضع لها من الإعراب، إنما يُحْكَمُ على موضع جملتي القسم والجواب بمحلِّ الإعراب". قلت: وقد خلط مكي المذهبين وجعلهما واللام لام القسم. فهي جواب "كتب" لأنه بمعنى: أوجب ذلك على نفسه، ففيه معنى القسم، وقد يظهر جوابٌ عما أورده الشيخ على غير مكي، وذلك أنهم جعلوا "ليجمعنَّكم" بدلاً من "الرحمة"، يعني هي وقسيمها المحذوف، واستغنوا عن ذكر القسم بها؛ لأنها مذكورةٌ في اللفظ، فكأنهم قالوا: وجملة القسم في محل نصب بدلاً من الرحمة، وكما يقولون جملة القسم ويستغنون به عن ذِكْرِهم جملة الجواب كذلك يستغنون بالجواب عن ذكر القسم لاسيما وهو غير مذكور. وأمَّا مكي فلا يظهر هذا جواباً له؛لأنه نصَّ على أنه جوابٌ لـ"كَتَبَ" فَمِنْ حيث جعله جواباً لكَتَبَ لا محلَّ له، ومن حيث جَعَلَه بدلاً كان مَحَلُّه النصب فتنافيا. والذي ينبغي في هذه الآية أن يكون الوقفُ عند قوله "الرحمة، وقوله "ليجمعنَّكم" جواب قسم محذوف، اي: والله ليجمعنكم، والجملة القسمية لا تعلُّق لها بما قبلها من حيث الإعراب، وإن تعلَّقَتْ به من حيث المعنى.
وإلى على بابها أي: ليجمعنَّكم منتهين إلى يوم القيامة. وقيل: هي بمعنى اللام كقوله: ﴿إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ﴾ وقيل: بمعنى "في" أي: ليجمعنَّكم في يوم القيامة. وقيل: هي زائدة أي: ليجمعنكم يوم القيامة، وقد يشهد له قراءة من قرأ ﴿تهوى إليهم﴾ بفتح الواو أنه ضروةَ هنا إلى ذلك.
(٦/١٤١)
---