قوله تعالى: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ﴾: مفعول أول لـ "أتَّخِذُ" و "وليَّاً" مفعولٌ ثاني، وإنما قَدَّم المفعول الأول على فعله لمعنى: وهو إنكار أن يُتَّخَذَ غيرُ اللَّهِ ولياً لا اتخاذ الموليّ، ونحوُه قولك لمن يهين زيداً وهو مستحقٌّ للإكرام: "أزيداً أهنت"، أَنْكَرْتَ أن يكون مثله مُهاناً. وقد تقدَّم هذا موضحاً في قوله: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ﴾ ومثله: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً﴾ ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّيا أَعْبُدُ﴾ ﴿ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ﴾ ﴿ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ وهو كثير. ويجوز أن يكون "أتخذ" متعدياً لواحد فيكون "غيرَ" منصوباً على الحال من "وليَّاً" لأنه في الأصل صفة له، ولا يجوز أن يكون استثناءً البتة، كذا منعه أبو البقاء، ولم يُبَيِّنْ وجهَه. والذي يظهر أنَّ المانع تقدُّمه على المستثنى منه في لامعنى وهو "وليَّاً"، وأما المعنى فلا يأبى الاستثناء، لأن الاستفهام لا يُراد به حقيقته، بل يُراد به الإنكار، فكأنه قيل: لا أتَّخذ ولياً غير الله، ولو قيل كذا لكان صحيحاً، فظهر أن المانع عنده إنما هو التقديم على المستثنى منه، لكن ذلك جائز، وإن كان قليلاً ومنه:
١٨٧٤- وما ليّ آل أحمدَ شيعةٌ * وما لي إلا مَشْعبَ الحقِ مَشْعَبُ
(٦/١٤٥)
---


الصفحة التالية
Icon