قوله تعالى: ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ﴾: مبتدأ وخبر، وقد عَرَفْتَ مما مرَّ "أيَّاً" بعضُ ما تضاف إليه، فإذا كانت استفهاميةً اقتضى الظاهرُ أن تكون مسمَّى باسم ما أضيفت إليه. قال أبو البقاء: "وهذا يوجب أن يُسَمَّى الله تعالى "شيئاً" فعلى هذاتكون الجلالةُ خبرَ مبتدأ محذوف أي: ذلك الشيء هو الله تعالى. ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: الله أكبر شهادة. و"شهيد" على هذين القولين خبرُ مبتدأ محذوف أي: هو شهيد بيني وبينكم. والجملة من قوله: ﴿قُلِ اللَّهِ﴾ على الوجهين المتقدمين جواب لـ "أيّ" من حيث اللفظ والمعنى. ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ، و"شهيد" خبرها، والجملة على هذا جوابٌ لـ "أيّ" من حيث المعنى أي: إنها دالة على الجواب وليست به.
قوله: ﴿شَهَادةً﴾ نصبٌ على التمييز، وهذا هو الذي لا يَعْرِفُ النحاةُ غيرَه. وقال ابن عطية: "ويَصِحُّ على المفعول بأن يُحْمَلَ "أكثر" على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل". وهذا ساقطٌ جداً. إذ نصَّ النحويون على أن معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنث وتثنَّى وتجمع، وأفعلُ مِنْ لا يؤنَّثُ ولا يُثَنَّى ولا يُجْمع فلم يُشْبِه اسم الفاعل، حتى إن الشيخ نسب هذا الخِباط إلى الناسخ دون أبي محمد.
قوله: ﴿بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ متعلِّقٌ بـ "شيهد" وكان الأصل: قل الله شهيد بيننا فكُرِّرَتْ "بين" توكيداً، وهو نظير قوله:
١٨٧٧- فأيِّي ما وأيُّك كان شراً * فَسِيقَ إلى المَقامةِ لا يراها
وقوله:
١٨٧٨- يا ربَّ موسَى أظلمي وأَظْلَمُهْ * فاصْبُبْ عليه ملِكاً لا يَرْحَمُهْ
وقوله:
١٨٧٩- فلئِنْ لَقِيْتُك خالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ * أيِّي وأيُّك فارسُ الأحزابِ
والجامع بينهما أنه لَمَّا أضاف إلى الياء وحدها احتاج إلى تكرير ذلك المضاف. وجَوَّز أبو البقاء أن يكون "بيني" متعلقاً بمحذوفٍ على أنه صفة لشيهيد فيكون في محل رفع، والظاهر خلافه.
(٦/١٥٨)
---