وأما قراءة "يَقُصُّ" فمِنْ "قَصَّ الحديث" أو مِنْ "قصَّ الأثر" أي: تَتَبَّعه. وقال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ ورجحَّ أبو عمرو بن العلاء القراءة الأولى بقوله: "أهو يَقُصُّ الحقَّ أو يقضي الحق" وحُكي عنه أنَّه قال: "أهو يَقُصُّ الحقَّ أو يقضي الحق" فقالوا: "يقصُّ" فقال: "لوك كان "يقص" لقال: "وهو خير القاصِّين" اقرأ أحدٌ بهذا؟ وحيث قال: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ فالفصل إنما يكون في القضاء" وكأن أبا عمرو لم يَبْلُغْه "وهو خير القاصِّين" قراءةً. وقد أجاب أبو علي الفارسي عما ذكره ابن العلاء فقال: "القصصُ هنا بمعنى القول، وقد جاء الفصل في القول أيضاً قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ وقال تعالى: ﴿وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ فقد حمل الفَصْل على القول، واستُعمل معه كما جاء مع القضاء فلا يلزم "من الفاصلين" أن يكون مُعَيِّناً ليقضي.
* ﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴾
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾: من باب إقامة الظاهر مقام المضمر تنبيهاً على استحقاقهم ذلك بصفةِ الظلم، إذا لو جاء على الأصل لقال: "والله أعملُ بكم".
* ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾
(٦/٢٤٧)
---