وقد نحا أبو البقاء لشيءٍ مِمَّا قاله الجرجاني فقال: "إلا في كتاب مبين" أي: إلا هو في كتاب مبين، ولا يجوز أن يكون استثناء يعمل فيه "يَعْلمها"؛ لأنَّ المعنى يصير: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها إلا في كتاب، فينقلب معناه إلا الإثبات أي: لا يعملها في كتاب، وإذا لم يكن إلا في كتاب وجب أن يعلمها في الكتاب، فإذن يكون الاستثاءُ الثاني بدلاً من الأول أي: وما تسقط من ورقة إلا هي في كتاب وما يَعْلَمُها" انتهى. وجوابه ما تقدم به جَعْل الاستثناء تأكيداً، وسيأتي هذا مقرَّراً إن شاء الله في سورة يونس لأنَّ له بحثاً يخصُّه.
* ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿بِاللَّيْلِ﴾: متعلق بما قبله على أنه ظرف له، والباء تأتي بمعنى "في، وقد قدَّمْتُ منه جملةً صالحة. وقال أبو البقاء هنا: "وجاز ذلك لأنَّ الباء للإلصاق، والملاصِقُ للزمان والمكان حاصل فيهما" يعني فهذه العلاقَةُ المجوِّزةُ للتجوُّز، وعلى هذا فلا حاجة إلى أن ينوبَ حرفٌ مكان آخر، بل نقول: هي هنا للإلصاق مجازاً نحو ما قالوه في "مررت بزيد" وأسند التوفِّي هنا إلى ذاته المقدسة لأنه لا يُنْفَرُ منه هنا، إذ المرادُ به الدَّعة والراحة، وأسند إلى غيره في قوله تعالى: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ ﴿يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ﴾ لأنه يُنْفَرُ منه، إذ المرادُ به الموت.
(٦/٢٥١)
---


الصفحة التالية
Icon