فَتَرَكْتُهمْ تَقِصُ الرماحُ ظهورَهم * ما بين مُنْعَفِرٍ وآخرَ مُسْنَدِ
وهذه عبارة الزمخشري، فجعله من اللَّبس الذي هو الخلط، وبهذا التفسير الحسن ظهر تعدِّي "يلبس" إلى المفعول. و"شيعاً" نصب على الحال. وهي جمع شِيْعة كسِدْرة وسِدَر. وقيلي: "شيعاً" منصوب على المصدر من معنى الفعل الأول أي: إنه مصدر على غير الصدر كقعدت جلوساً. قال الشيخ: "ويحتاج في جعله مصدراً إلى نَقْلٍ من اللغة". ويجوز على هذا أيضاً أن يكونَ حالاً كأتيته ركضاً أي: راكضاً أو ذا ركض. وقال أبو البقاء: "والجمهور على فتح الياء أي: يلبس عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجودُ أن يكون التقدير: أو يلبس أموركم، فحُذِف المضاف وأُقيم المضاف إليه لِما عَرَفْتَ من كلام الزمخشري.
وقرأ ابو عبد الله المدني: "يُلبسكم" بضم الياء من "ألبس" رباعياً، وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره: أو يلبسكم الفتنة. و"شيعاً" على هذا حال أي: يُلْبِسكم الفتنة في حال تفرُّقكم وشتاتكم. والثاني: أن يكون "شِيعاً" هو المفعولُ الثاني كأنه جعل الناسَ يلبسون بعضَهم مجازاً كقوله:
١٩٤٢- لَبِسْتُ أناساً فَأَفْنَيْتُهمْ * وأَفْنَيْتُ بعد أُناسٍ أُناسا
والشيعة: مَنْ يتقوَّى بهم الإنسان، والجمع: "شِيَع" كما تقدم، وأشياع كذا قاله الراغب، والظهر أن أشياعاً جمع شِيَع كِعِنَب وأعناب وضِلَع وأضلاع، وشِيَع جمع شِيْعة، فهو جمع الجمع.
قوله: ﴿وَيُذِيقَ﴾ نسق على "يَبْعَث" والإذاقة: استعارة، وهي فاشية: ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ ﴿ذُقْ إِنَّكَ﴾ ﴿فَذُوقُواْ العَذَابَ﴾ وقال:
١٩٤٣- أَذَقْناهُمْ كؤوسَ الموت صِرْفاً *وذاقوا من أَسِنَّتنا كؤوسا
وقرأ الأعمش: ﴿ونذيق﴾ بنون العظمة، وهو التفاتٌ فائدتُه تعظيم الأمر والتحذير من سطوته.
* ﴿ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾
(٦/٢٥٩)
---