وأيَّدوا ذلك بما ورد الأحاديث الصحيحة، قال عليه السلام: "كيف أَنْعَمُ وصاحبُ القَرْن قد التقمه" وقيل: في صفته إنه قَرْنٌ مستطيل فيه أبخاش، وأن أرواحَ الناس كلهم فيه، فإذا نفخ فيه إسرافيل خرجَتْ روحُ كلِّ جسدٍ من بخش من تلك الأبخاش. وأنحى أبو الهيثم على مَنْ ادَّعى أن الصُّور جمع صُوره فقال: "وقد اعترض قومٌ فأنكروا أن يكون الصُّور قرناً كما أنكروا العرش والميزان والصراط، وادَّعَوا أن الصورة جمع الصورة كالصوف جمع الصوفة، ورَوَوْا ذلك عن أبي عبيدة، وهذا خطأٌ فاحشٌ وتحريفٌ لكلام الله عز وجل عن مواضعه لأن الله قال: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ فَمَنْ قرأها: ﴿ونُفِخ في الصُّوَرِ﴾ أي بالفتح، وقرأ "فَأَحْسَنَ صُوْرَكم" أي بالسكون فقد افترى الكذبَ على الله، وكان أبو عبيد صاحبَ أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو" قال الأزهري: "قد احتجَّ أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غيرُ ما ذهب إليه وهو قول أهل السنة والجماعة" أنتهى، ولا ينبغي أن ينسب ذلك إلى هذه الغاية التي ذكرها أبو الهيثم. وقال الفراء:"يُقال: نَفَخ في الصور ونَفَخَ الصورَ" وأنشد:
١٩٥٦- لولا ابنُ جَعْدَةَ لم يُفْتَح قُهَنْدُزُكُمْ *ولا خراسانُ حتى يُنْفَخَ الصُّورُ
وفي المسألة كلامٌ أكثرُ من هذا تركتُه إيثاراً للاختصار.
قوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ في رفعه أربعةُ أوجه، أحدها: أن يكون صفةً للذي في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وفيه بُعْدٌ لطول الفصل بأجنبيّ. الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر أي: هو عالم. الثالث: أنه فاعلٌ لقوله: ﴿يقول﴾ أي: يوم يقول عالم الغيب. الرابع: أنه فاعل بفعلٍ محذوف يدل عليه الفعلُ المبنيُّ للمفعول؛ لأنه لمَّا قال "يُنْفخ فيه عالمُ الغيب أي: يأمر بالنفخ فيه، كقوله: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ﴾ أي يُسَبِّحُه، ومثله أيضاً قول الآخر:
(٦/٢٨٠)
---


الصفحة التالية
Icon