قوله: "إلا أَنْ يشاء" في هذا الاستثناء قَوْلان، أظهرهما: أنه متصل، والثاني: أنه منقطع، والقائلون بالاتصال: اختلفوا في المستثنى منه، فجعله الزمخشري زماناً فقال: "إلا وقت مشيئة ربي شيئاً يخاف، فحذف الوقت، يعني: لا أخاف معبوداتِكم في وقتٍ قط؛ لأنها لا تقدر على منفعةٍ ولا مَضَرَّة إلا إذا شاء ربي". وجَعَلَه أبو البقاء حالاً فقال: تقديره إلا في حال مشيئة ربي أي: لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال. وممَّن ذهب إلى انقطاعه ابن عطية و الحوفي وأبو البقاء في أحد الوجهين، فقال الحوفي: "تقديره: لكن مشيئة الله إياي بضرٍّ أخاف"، وقال ابن عطية: "استثناء ليس من الأول ولما كانت قوة الكلام أنه لا يخاف ضراً استثنى مشيئة ربه في أن يريده بضر.
قوله: "شيئاً" يجوز فيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوب على المصدر تقديره: إلا أن يشاء ربي شيئاً من المشيئة، والثاني: أنه مفعول به ليشاء، وإنما كان الأولُ أظهرَ لوجهين، أحدهما: أن الكلام المؤكد أقوى وأثبتُ في النفس من غير المؤكد. والثاني: أنه قد تقدم أن مفعول المشيئة والإِرادة لا يُذْكران إلا إذا كان فيهما غرابة كقوله:
١٩٧٤- ولو شِئْتُ أَنْ أبكي دماً لبَكَيْتُه *..............
قوله: "عِلْماً" فيه وجهان، أظهرهما: أنه منصوب على التمييز، وهو مُحَوَّلٌ عن الفاعل تقديره: وَسِع علمُ ربي كلَّ شيء، كقوله: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾. والثاني: أنه منصوبٌ على المفعول المطلق؛ لأن معنى وَسِعَ عَلِم. قال أبو البقاء: "لأنَّ ما يَسَعُ الشيء فقد أحاط به، والعالم بالشيء محيطٌ بعلمه" وهذا الذي ادَّعاه من المجاز بعيد. و "كل شيء" مفعول لوسع على كلا التقديرين. و "أفلا تتذكرون" جملة تقرير وتوبيخ، ولا محلَّ لها لاستئنافها.
(٦/٣٠٠)
---