قوله: "تَجْعلونه" يقرؤه ابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة، وكذلك "يُبْدونها" و "يُخْفون"، والباقون بتاء الخطاب في ثلاثة الأفعال، فأمَّا الغيبةُ فللحَمْل على ما تقدَّم من الغيبة في قوله: "وما قدروا" إلى آخره، وعلى هذا فيكون في قوله: "وعُلِّمْتُم" تأويلان أحدهما: أنه خطاب لهم أيضاً وإنما جاء به على طريقة الالتفات. والثاني: أنه خطاب للمؤمنين اعترض به بين الأمر بقوله: ﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ﴾ وبين قوله ﴿قُلِ اللَّهُ﴾.
وأمَّا قراءةُ تاءِ الخطاب ففيها مناسبةٌ لقوله ﴿وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوااْ أَنتُمْ﴾ ورجَّحها مكي وجماعةٌ لذلك، قال مكي: "وذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار لذلك، ولأنَّ أكثر القراء عليه". قال الشيخ: "ومن قال إن المنكرين العربُ أو كفار قريش لم يمكن جَعْلُ الخطاب لهم بل يكون قد اعترض ببني إسرائيل فقال خلال السؤال والجواب: تَجْعَلُونها قراطيس، ومثل هذا يَبْعُدُ وقوعُه؛ لأنَّ فيه تفكيكاً للنظم حيث جَعَلَ أولَ الكلام خطاباً للكفار وآخره خطاباً لليهود. قال: "وقد أُجيب بأنَّ الجميع لَمَّا اشتركوا في إنكار نبوَّة رسولِ الله ﷺ جاء بعضُ الكلام خطاباً للعرب وبعضه خطاباً لبني إسرائيل".
قوله: "تَجْعلونه قراطيس" يجوز أن تكون "جعل" بمعنى صيَّر، وأن تكون بمعنى ألقى أي: تضعونه في كاغد. وهذه الجملة في محل نصب على الحال: إمَّا من "الكتاب"، وإمَّا من الهاء في "به"، كما تقدم في "نوراً وهدى".
(٦/٣١٤)
---


الصفحة التالية
Icon