قوله: "ولتنذرَ" قرأ الجمهور بتاء الخطاب للرسول عليه السلام، وأبو بكر عن عاصم بياء الغيبة والضمير للقرآن، وهو الظاهر أي: ينذر بمواعظه وزواجره، ويجوز أن يعود على الرسول عليه السلام للعلمِ به. وهذه اللام فيها وجهان، أحدهما: هي متعلقة بـ "أنزلنا" عطفاً على مقدر، فقدَّره أبو البقاء: "ليؤمنوا ولتنذر"، وقدره الزمخشري فقال: "ولتنذر" معطوف على ما دلَّ عليه صفةُ الكتاب كأنه قيل: أنزلناه للبركات ولتصديق ما تَقَدَّمه من الكتب والإِنذار". والثاني: أنها متعلقة بمحذوف متأخر أي: ولتنذر أنزلناه.
وقوله: "أمَّ القرى" يجوز أن يكون من باب الحذف اي: أهل أمّ القرى، وأن يكون من باب المجاز إطلاقاً للمحلّ على الحالِّ، وأيُّهما أَوْلى؟ أعني المجاز والإِضمار، للناس في المسألة ثلاثة أقوال، تقدَّم بيانها وهذا كقوله: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَة﴾. وهناك وجهٌ لا يمكن هنا: وهو أنه يمكن أن يكون السؤال للقرية حقيقةً ويكون ذلك معجزةً لنبي، وهنا لا يتأتَّى ذلك وإن كانت القرية أيضاً نفسها هنا تتكلم، إلا أن الإِنذار لا يقع لعدم فائدته.
وقوله: "ومَنْ حولها" عطف على "أهل" المحذوف أي: ولتنذر مَنْ حول أم القرى، ولا يجوز أن يُعْطف على "أم القرى" إذ يلزم أن يكون المعنى: ولتنذر اهل مَنْ حولها، ولا حاجة تدعو إلى ذلك لأنَّ "مَنْ حولها" يقبلون الإِنذار. قال الشيخ: "ولم يحذف "مَنْ" فيعطف "حول" على "أمّ القرى" وإن كان يَصِحُّ من حيث المعنى لأنَّ "حول" ظرفٌ لا يتصرف، فلو عطف على "أم القرى" لكان مفعولاً به لعطفه على المفعول به وذلك لا يجوزُ؛ لأنَّ العربَ لم تستعمله إلا ظرفاً".
(٦/٣١٨)
---