فمعنى خَوَّلْته كذا: مَلَّكته الخَوَل فيه، كقولهم: مَوَّلته أي: مَلَّكته المال، وقال الراغب: "والتخويل في الأصل: إعطاء الخَوَل، وقيل: إعطاء ما يصير له خَوَلاً، وقيل: إعطاء ما يَحتاج أن يتعهده، من قولهم: فلانٌ خالُ مالٍ وخائل مال، أي: حسن القيام عليه".
وقوله: ﴿وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ متعلق "بتَرَكْتُم" ويجوز أن يضمَّن "ترك" هنا معنى صَيَّر فيتعدَّى لاثنين أولهما الموصول، والثاني: هذا الظرف فيتعلَّق بمحذوف أي: وصيَّرتم الترك الذي خوَّلناكموه كائناً وراء ظهوركم.
قوله: ﴿وَمَا نَرَى﴾ الظاهر أنها المتعدية لواحد فهي بصرية، فعلى هذا يكون "معكم" متعلقاص بنرى، ويجوز أن يكون بمعنى علم، فيتعدَّى لاثنين، ثانيهما هو الظرف فيتعلَّق بمحذوف أي: ما نراهم كائنين معكم أي: مصاحبيكم، إلا أن أبا البقاء استضعف هذا الوجهَ وهو كما قال؛ إذ يصير المعنى: وما يعلم شفعاؤكم معكم، وليس المعنى عليه قطعاً. وقال أبو البقاء: "ولا يجوز أن يكون - أي معكم - حالاً من الشفعاء، إذ المعنى يصير أن شفعاءهم معهم ولا نراهم" وفيما قاله نظر لا يَخْفى: وذلك أن النفي إذا دخل على ذات بقيد ففيه وجهان أحدهما: نفي تلك الذات بقيدها، والثاني نفي القيد فقط دون نفي الذات، فإذا قلت: "ما رأيت زيداً ضاحكاً" فيجوز أنك لم تَرَ زيداً البتة، ويجوز أنك رأيته من غير ضحك فكذا هنا، إذ التقدير: وما نرى شفعاءكم مصاحبيكم، يجوز أن لم يروا الشفعاء البتة ويجوز أن يَرَوْهم دون مصاحبيهم لهم، فمن أين يلزم أنهم يكونون معهم ولا يرونهم من هذا التركيب؟ وقد تقدَّم تحقيق هذه القاعدة في أوائل البقرة وفي قوله {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً
(٦/٣٢٦)
---