وقوله تعالى: ﴿جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ﴾: الظاهر أن "جعل" بمعنى خلق فتكون متعديةً لواحد، و "لكم" متعلق بـ "جَعَلَ" وكذا "لتهتدوا". فإن قيل: كيف يتعلَّق حرفا جر متَّحدان في اللفظ والمعنى؟ فالجواب أن الثاني بدلٌ من الأول بدلُ اشتمال بإعادة العامل، فإن "ليهتدوا" جا ر ومجرور، إذ اللام لام كي، والفعل بعدها منصوب بإضمار "أن" عند البصريين وقد تقدَّم تقريره. والتقدير: جعل لكم النجوم لاهتدائكم، ونظيره في القرآن ﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ﴾ فـ "لبيوتهم" بدلٌ من "لمن يكفر" بإعادة العامل، وقال ابن عطية: "وقد يمكن أن يكون بمعنى "صيَّر" ويقدَّر المفعول الثاني من لتَهْتدوا، أي: جعل لكم النجوم هداية".
قال الشيخ: "وهو ضعيفٌ لندور حَذْفِ أحد مفعولي ظنَّ وأخوانها" قلت: لم يَدَّع ابنُ عطيَّة حذف المفعول الثاني حتى يجعله ضعيفاً إنما قال: إنه مِنْ "لتهتدوا" أي: فيُقَدَّر متعلق الجار الذي وقع مفعولاً ثانياً كما يُقدَّر في نظائره والتقدير: جعل لكم النجوم مستقرة أو كائنة لاهتدائكم. وأمَّا قوله: "أي جَعَل لكم النجومَ هدايةً" فلإِيضاح المعنى وبيانه.
والنجوم معروفة وهي جمع نجم، والنجم في الأصل مصدر يقال: نَجَم الكوكبُ ينجُمُ نَجْماً ونُجوماً فهو ناجم، ثم أُطلق على الكوكب مجازاً، فالنجم يستعمل مرة اسماً للكوكب ومرة مصدراً، والنجوم تستعمل مرة للكواكب وتارة مصدراً ومنه: نَجَمَ النبت أي: طَلَع، ونَجَم قرن الشاة وغيرها، والنجم من النبات ما لا ساق له، والشجرُ ما له ساق، والتنجيم: التفريق، ومنه نجوم الكنانة تشبيهاً بتفرق الكواكب.
* ﴿ وَهُوَ الَّذِيا أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ﴾
(٦/٣٤١)
---