وأمَّا قراءة ابن كثير أبي عمرو فمعناها دارسْتَ يا محمدُ غيرَك من أهل الأخبار الماضية والقرون الخالية حتى حفظتها فقلتَها، كما حَكى عنهم فقال: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ وفي التفسير: أنهم كانوا يقلون: هو يدارس سَلْمَان وعَدَّاساً. وأمَّا قراءة الباقين فمعناها حَفِظْتَ وأَتْقَنْتَ بالدرس أخبارَ الأولين كما حكى عنهم "وقالوا أساطيرُ الأولين اكتَتَبَها فهي تُمْلى عليه بُكْرة وأصيلا" أي تكرَّر عليها بالدَّرْس ليحفظها. وقرئ هذا الحرف في الشاذ عشر قراءاتٍ أُخَرَ فاجتمع فيه ثلاثَ عشرةَ قراءة: فقرأ ابن عباس بخلاف عنه وزيد بن علي والحسن البصري وقتادة "دُرِسَتْ" فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول مسنداً لضمير الآيات، وفَسَّرها ابن جني والزمخشري بمعنيين، في أحدهما إشكال. قال أبو الفتح: "يُحتمل أن يراد عَفَتْ أو بَلِيَتْ". وقال أبو القاسم: "بمعنى قُرِئت أو عُفِيَتْ". قال الشيخ: "أما معنى قُرِئَتْ وبَلِيَتْ فظاهرٌ؛ لأن دَرَسَ بمعنى كرَّر القراءة متعدٍّ، وأمَّا "دَرَس" بمعنى بَلِي وانمحى فلا أحفظه متعدياً ولا وَجَدْنا فيمن وَقَفْنا على شعره من العرب إلا لازماً". قلت: لا يحتاج هذا إلى استقراء فإن معناه [لا] يحتمل أن يكون متعدِّياً إذ حَدَثثه لا يتعدَّى فاعلُه فهو كقام وقعد، فكما أنَّا لا نحتاج في معرفة قصور قام وقعد إلى استقراء بل نَعْرِفُه بالمعنى فكذا هذا.
(٦/٣٧٢)
---


الصفحة التالية
Icon