قوله: ﴿مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ متعلقٌ بنفس "بريء" كما يقال: "بَرِئْتُ منه"، وهذا بخلاف ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ فإنها هناك تحتمل هذا، وتحتمل أن تكونَ صفةً لـ"براءة".
قوله: ﴿وَرَسُولِهِ﴾ الجمهورُ على رَفْعِه، وفيه ثلاثة أوجه، أحجها: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ أي: ورسولُه بريءٌ منهم، وإنما حُذِفَ للدلالةِ عليه. والثاني: أنه معطوفٌ على الضميرِ المستتر في الخبر، وجاز ذلك للفصلِ المسوِّغ للعطف فرفعُه على هذا بالفاعلية. الثالث: أنه معطوفٌ على محل اسم "أنَّ"، وهذا عند مَنْ يُجيز ذلك في المفتوحةِ قياساً على المكسورة. قال ابن عطية: "ومذهبُ الأستاذ - يعني ابن الباذش - على مقتضى كلامِ سيبويه أن لا موضعَ لِما دخلَتْ عليه "أنَّ"؛ إذ هو مُعْرَبٌ قد ظهر فيه عملُ العامل، وأنه لا فرقَ بين "أَنَّ" وبين "ليت"، والإِجماعُ على أن لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه هذه". قال الشيخ: "وفيه تعقُّبٌ؛ لأن علةَ كونِ "أنَّ" لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه ليس ظهورَ عملِ بدليل: "ليس زيد بقائم" و "ما في الدار مِنْ رجل" فإنه ظهر عملُ العامل ولهما موضع، وقولُه: "بالإِجماع" - يريد أن "ليت" لا موضعَ لِما دَخَلَتْ عليه بالإِجماع - ليس كذلك؛ لأن الفراءَ خالَفَ، وجعل حكمَ "ليت" وأخواتِها جميعِها حكمَ "إنَّ" بالكسر". قلت: قوله: "بدليل ليس زيدٌ بقائم" إلى آخره قد يَظْهر الفرق بينهما فإن هذا العاملَ وإنْ ظهر عملُه فهو في حكمِ المعدوم؛ إذ هو زائد فلذلك اعتبرنا الموضعَ معه بخلاف "أنَّ" بالفتح فإنه عاملٌ غيرُ زائد، وكان ينبغي أن يُرَدَّ عليه قولُه: "وأن لا فرقَ بين "أنَّ" وبين "ليت"، فإنَّ الفرقَ قائمٌ، وذلك أن حكمَ الابتداء قد انتسخ مع ليت ولعل وكأن لفظاً ومعنىً بخلافه مع إنَّ وأنَّ فإن معناه معهما باقٍ.
(٧/٤٢٨)
---