قوله: ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ "ثم" على بابها مِن التراخي لأنها أُحكمَتْ ثم فُصِّلَتْ بحسب أسبابِ النزول. وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري وزيد ابن علي وابن كثير في روايةٍ "فَصَلَتْ" بفتحتين خفيفةَ العين. قال أبو البقاء: "والمعنى: فَرَقَتْ، كقوله: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ﴾، أي: فارق". وفَسَّر هنا غيرُه بمعنى فَصَلَتْ بين المُحِقِّ والمُبْطِل وهو أحسنُ. وجعل الزمخشري "ثم" للترتيب في الإِخبار لا لترتيب الوقوع في الزمان فقال: "فإن قلت: ما معنى "ثم"؟ قلت: ليس معناها التراخي في الوقت ولكن في الحال، كما تقول: هي مُحْكَمَةٌ أحسنَ الإِحكام ثم مُفَصَّلةٌ أحسنَ التفصيل، وفلانٌ كريمٌ الأصل ثم كريمُ الفعل" وقُرِىء أيضاً: "أحْكَمْتُ آياتِه ثم فَصَّلْتُ" بإسناد الفعلين إلى تاء المتكلم ونَصْبِ "آياته" مفعولاً بها، أي: أحكمتُ أنا آياتِه ثم فَصَّلْتُها، حكى هذه القراءةَ الزمخشري.
قوله: ﴿مِن لَّدُنْ﴾ يجوز أن تكونَ صفةً ثانية لـ"كتاب"، وأن تكون خبراً ثانياً عند مَنْ يرى جوازَ ذلك، ويجوز أن تكون معمولةً لأحد الفعلين المتقدِّمين أعني "أُحِكِمَتْ" أو "فُصِّلَتْ" ويكون ذلك من بابِ التنازع، ويكون من إعمال الثاني، إذ لو أَعْمل الأولَ لأضمر في الثاني، وإليه نحا الزمخشري في [قوله]: "وأن يكون صلةَ "أُحْكِمت" و "فُصَّلَتْ"، أي: من عندِ أحكامُها وتفصيلُها، وفيه حسن لأن المعنى: أحكمها حكيم وفصَّلها، أي: شَرَحها وبيَّنها خبيرٌ بكيفيات الأمور". قال الشيخ: "لا يريد أنَّ "مِنْ لدن" متعلقٌ بالفعلين معاً من حيث صناعةُ الإِعراب بل يريد أن ذلك من بابِ الإِعمال فهي متعلقةٌ بهما من حيث المعنى" وهو معنى قولِ أبي البقاء أيضاً "ويجوز أن يكونَ مفعولاً، والعاملُ فيه "فُصِّلَتْ".
* ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوااْ إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾
(٨/٢٤٩)
---


الصفحة التالية
Icon