قوله تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ﴾: فيها وجهان: أحدهما: أنه عطفٌ على "أنْ" الأولى سواءً كانت "لا" بعدها نفياً أو نهياً، فتعودُ الأوجهُ المنقولةُ فيها إلى "أَنْ" هذه. والثاني: أن تكونَ منصوبةً على الإِغراء. قال الزمخشري في هذا الوجه: "ويجوز أن يكونَ كلاماً مبتدأً منقطعاً عَمَّا قبلَه على لسان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إغراءً منه على اختصاص اللَّه تعالى بالعباة، ويدل عليه قولُه: إني لكم منه نذيرٌ وبشير كأنه قال: تركَ عبادةَ غيرِ اللَّه إنني لكم منه نذيرٌ كقولِه تعالى: ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ قوله: ﴿ثُمَّ تُوبُوااْ﴾ عطفٌ على ما قبلَه من الأمر بالاستغفار و "ثم" على بابِها من التراخي لأنه يستغفرُ أولاً ثم يتوبُ ويتجرَّدُ من ذلك الذنبِ المستغفَرِ منه. قال الزمخشري: "فإن قلتَ: ما معنى "ثم" في قوله ﴿ثُمَّ تُوبُواا إِلَيْهِ﴾؟ قلت: معناه: استغفروا من الشرك ثم ارجعوما إله بالطاعة، أو استغفروا - والاستغفارُ توبةٌ - ثم أَخْلِصوا التوبةَ واستقيموا عليها كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُواْ﴾. قلت: قوله: "أو استغفروا" إلى آخره يعني أن بعضَهم جَعَلَ الاستغفارَ والتوبةَ بمعنى واحد، فلذلك احتاج إلى تأويل "توبوا" بـ"أَخْلِصوا التوبة".
قوله: ﴿يُمَتِّعْكُمْ﴾ جوابُ الأمر. وقد تقدَّم الخلافُ في الجازم: هل هو نفسُ الجملةِ الطلبية أو حرفُ شرطٍ مقدَّر. وقرأ الحسن وابن هرزمز وزيد بن علي وابن محيصن "يُمْتِعْكم" بالتخفيف مِنْ أَمْتَعَ، وقد تقدَّم أن نافعاً وابن عامر قرأ ﴿فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ في البقرة بالتخفيف كهذه القراءة.
قوله: ﴿مَّتَاعاً﴾ في نصبه وجهان، أحدهما: أنه منصوب على المصدرِ بحذفِ الزوائد، إذ التقدير: تمتيعاً فو كقوله: ﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾. والثاني: أنه ينتصبَ على المفعول به، والمراد بالمتاعِ اسمُ ما يُتَمَتَّع به فهو كقولك: "متَّعْتُ زيداً أثواباً".
(٨/٢٥٢)
---


الصفحة التالية
Icon