الثالث: أنَّ "عجبٌ" مبتدأٌ بمعنى مُعْجِب، و "قولُهم" فاعلٌ به، قاله أبو البقاء، ورَدَّ عليه الشيخُ: بانهم نَصُوا على أن "فَعَلاً" و "فثعْلَة" و "فِعْلاً" يَنُوب عن مفعولٍ في المعنى ولا يعمل عملَه، فلا تقول: مررتُ برجلٍ ذِبْحٍ كبشُه، ولا غُرْفةٍ ماؤه، ولا قَبَضٍ مالُه". قلت: وأيضاً فإن الصفاتِ لا تعملُ إلاَّ إذا اعتمَدَتْ على أشياءَ مخصوصةٍ، وليس منها هنا شيءٌ.
قوله: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يجوز في هذه الجملةِ الاستفهاميةِ وجهان، أحدُهما: -وهو الظاهر- أنها منصوبةُ المحلِّ لحكايتها بالقولِ. والثاني: أنها وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ بدلاً مِنْ قولُهم"، وبه بدأ الزمخشري، ويكون بدلَ كلٍ مِنْ كل، لأنّ هذا هو نفسُ قولِهم. و "إذا" هنا ظرفٌ محضٌ، وليس فيها معنى الشرطِ، والعاملُ فيها مقدرٌ يُفَسِّره ﴿لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ تقديرُه: أإذا كنا تراباً نُبْعَثُ أو نُحْشَر، ولا يَعْمل فيها ﴿خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ لأنَّ ما بعد "إذا" لا يعمل فيما قبلها، ولا يعمل فيها أيضاً "كُنَّا" لإضافتها إليها.
واختلف القرَّاءُ في هذا الاستفهامِ المكررِ اختلافاً منتشراً، وهو في أحدِ عشرَ موضعاً من القرآن، فلا بُدَّ مِنْ تَعيينِها وبيانِ مراتبِ القرَّاء فيها، فإنَّ في ضبطها عُسْراً يَسْهُل بعَوْنِ الله تعالى:
(٩/٩٤)
---


الصفحة التالية
Icon