وقوله: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾: من باب إضافة الموصوف إلى الصفة، والأصل: له الدعوةُ الحقُّ كقوله: ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ﴾ على أحدِ الوجهين. وقال الزمخشري: "فيه وجهان، أحدُهما: أن تُضافَ الدعوةُ إلى الحق الذي هو نقيض الباطل، كما تُضاف الكلمةث إليه في قوله "كلمة الحق". والثاني: أن تُضافَ إلى الحق الذي هو اللهُ على معنى دعوةِ المَدْعُوِّ الحق الذي يسمع فيجيب". قال الشيخ: "وهذا الوجهُ الثاني لا يظهر؛ لأنَّ مآلَه إلى تقدير: لله دعوةُ الله كما تقول: لزيدٍ دعوةُ زيد، وهذا التركيبُ لا يَصِحُّ". قلت: وأين هذا ممَّا قاله الزمخشريُّ حتى يَرَدَّ عليه به؟
قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ يجوز أن يُرَاد بالذين المشركون، فالواوُ في "يَدْعون" عائده، ومفعولُه محذوفٌ وهو الصنام، والواوُ في ﴿لاَ يَسْتَجِيبُونَ﴾ عائدٌ على مفعول "يَدْعون" المحذوف، ِ وعاد عليه الضمير كالعقلاء لمعاملتِهم إياه معاملَتهم. والتقدير: والمشركون الذين يَدْعُون الأصنام لا تستجيب لهم الأصنامُ إلا استجابةً كاستجابةِ باسطِ كَفَّيْه، أي: كاستجابة الماءِ مَنْ بَسَطَ كَفَّيْه إليه، يطلب منه أن يَبْلُغَ فاه، والماءُ جمادٌ لا يَشْعُر ببَسْط كَفَّيْه ولا بعطشِه، ولا يَقْدِرُ أن يُجيبَه ويَبْلُغَ فاه، قال معناه الزمخشري. ولمَّا ذكر أبو البقاء قريباً من ذلك وقدَّر التقديرَ المذكور قال: "والمصدرُ في هذا التقدير مضافٌ إلى المفعول كقوله: ﴿لاَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ﴾ وفاعلُ هذا المصدرِ مضمرٌ هو ضميرُ الماءِ، أي: لا يُجيبونهم إلا كما يُجيب الماءُ باسطَ كفِّه إليه، والإجابةُ هنا كنايةٌ عن الانقياد"./
(٩/١٠٩)
---