قوله: ﴿وَوَيْلٌ﴾ جاز الابتداءُ به لأنه دعاء كـ "سلامٌ عليكم". و "للكافرين" خبره. و ﴿مِنْ عَذَابٍ﴾ متعلِّقٌ بالويل. ومنعه الشيخ. لأنه يَلْزَمُ منه الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه، وقد تقدَّم لك بحثٌ في ذلك: وهو أنَّ ذلك ممنوعٌ حيث يتقدَّر المصدرُ بحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ، ولذلك جَوَّزوا تعلُّقَ ﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ بـ "سلام" ولم يَعْترضوا عليه بشيء، وقد تقدَّم ذلك في السورةِ قبلها، ولا فرقَ بين الموضعين.
وقال الزمخشريُّ: "فإنْ قلتَ: ما وجهُ اتصالِ قولِه: ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ بالويل؟ قلت: لأنَّ المعنى يُوَلْوِلون من عذاب شديد". قال الشيخ: "فظاهره يدلُّ على تقدير عاملٍ يتعلَّقُ به ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾. ويجوز أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ للمبتدأ، وفيه سَلامةٌ من الاعتراضِ المتقدم، ولا يَضُرُّ الفصلُ بالخبر.
* ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَائِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ﴾ يجوز أن يكون مبتدأً خبرُه "أولئك" وما بعده، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمرٍ، أي: هم الذين، وأن يكونَ منصوباً بإضمارِ فعلٍ على المدح فيهما، وأن يكون مجروراً على البدلِ أو البيانِ أو النعتِ، قاله الزمخشري وأبو البقاء والحوفيُّ وغيرُهم. وردَّه الشيخ بأنَّ فيه الفَصْلَ بأجنبي وهو قولُه ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ قال: "ونظيرُه إذا كان صفةً أن تقول: "الدارُ لزيدٍ الحسنةُ القُرَشِيِّ: وهذا لا يجوز، لأنك فَصَلْتَ بين زيد وصفتِه بأجنبيٍّ منهما وهو صفةُ الدار، وهولا يجوز، والتركيبُ الفصيحُ أن تقول: الدارُ الحسنةُ لزيدٍ القرشيِّ، أو: الدارُ لزيدٍ القرشيِّ الحسنةُ".
و "يَسْتَحِبُّون": استفعلَ فيه بمعنى أَفْعَل كاستجاب بمعنى أجاب، أو يكونُ على بابه، وضُمِّن معنى الإيثار، ولذلك تعدَّى بـ على.
(٩/١٣٥)
---


الصفحة التالية
Icon