وقد خَطَّأ بعضُهم الزمخشري في جَعْلِه هذا ثلاثة التفاتات، وقال: بل هما التفاتان، أحدهما خروجٌ من الخطابِ المفتتحِ به في قوله: "ليلُك" إلى الغيبة في قوله: "وباتَتْ له ليلةٌ"، والثاني: الخروجُ من هذه الغيبةِ إلى التكلم في قوله: "من نبأٍ جتْني وخُبِّرْتُه". والجواب أن قوله أولاً: "تطاول ليلُك" فيه التفاتٌ، لأنه كان أصلُ الكلامِ أن يقولَ: تطاول ليلي، لأنه هو المقصودُ، فالتفت من مَقام التكلمِ إلى مقامِ الخطابِ، ثم من الخطابِ إلى الغَيْبَةِ، ثم من الغَيْبة إلى التكلمِ الذي هُوَ الأصلُ.
وقُرئ شاذاً: "إِيَّاكَ يُعْبُدُ" على بنائِه للمفعول الغائبِ، ووجهُها على إشكالها: أنَّ فيها استعارةً والتفاتاً، أمّا الاستعارةُ فإنه استُعير فيها ضميرُ النصب لضمير الرفع، والأصل: أنت تُعْبَدُ، وهو شائعٌ كقولهم: عساك وعشاه وعساني في أحد الأقوال، وقول الآخر:
٦٥- يابنَ الزُّبير طالما عَصَيْكا * وطالَمَا عَنِّيْتَنَا إلَيكا
فالكاف في "عَصَيْكا" نائِبةٌ عن التاء، والأصل: عَصَيْتَ. وأمَّا الالتفاتُ فكان من حقِّ هذا القارئ أن يقرأ: إيام تُعْبَدُ بالخطابِ، ولكنه التفتَ من الخطاب في "إيَّاك" إلى الغيبة في "يُعْبَدُ"، إلا أنَّ هذا التفاتٌ غريب، لكونه في جملة واحدةٍ/ بخلاف الالتفاتِ المتقدم. ونظيرُ هذا الالتفات قوله:
٦٦- أأنتَ الهلاليُّ الذي كنتَ مرةً * سَمِعْنا به والأَرْحَبِيُّ المُغَلَّبُ
فقال: "به" بعد قوله: "أنت وكنت".
و "إيَّاك" واجبُ التقديمِ على عاملهِ، لأنَّ القاعدةَ أن المفعولَ به إذا كان ضميراً -لو تأخَّر عن عاملهِ وَجَبَ اتصالُه - وَجَب تقديمُه، وتحرَّزوا بقولهم: "لو تأخَّر عنه وَجَبَ اتصالَهُ" من نحو: "الدرهمَ إياه أعطيتُك"ـ لأنك لو أَخَّرْتَ الضميرَ هنا فقلت: "الدرهمَ أعطيتُك إياه" لم يلزمِ الاتصالُ لِما سيأتي، بل يجوز: أعطيتُكه.
(١/٣٦)
---


الصفحة التالية
Icon