أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.
وقال أبو بكر بن الأنباري: "هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني قبل الضمير، أي: مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي: شُرْب شجر أو حياة شجر". وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية، أي: بسببه، ودَلَّ عليه قولُه: ﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ﴾.
والسَّجَرُ هنا: كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ، وفي الحديث: "لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ" يعني الكلأ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة. وقال:
٢٩٦٥- نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ
وهو مجازٌ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ.
قوله: ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ هذه صفةٌ أخرى لـ "ماءً". والعامَّة على "تُسِيمون" بضمِّ الياء مِنْ أسام، أي: أَرْسَلَها لِتَرْعى، وزيد بن علي بفتحِها، فيحتمل أن يكونَ متعدياً، ويكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ويحتمل أن يكون لازماً على حذفِ مضافٍ، أي: تَسِيْمُ مواشِيَكُمْ.
* ﴿ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿يُنبِتُ﴾: تحتمل هذه الجملةُ الاستئنافَ والتبعيةَ كما في نظيرتِها. ويقال: "أَنْبت اللهُ الزرعَ" فهو مَنْبُوت، وقياسُه مُنْبَتٌ. وقيل: "أَنْبت" قد يجيْءُ لازماً كـ "نَبَت" أنشد الفراء:
٢٩٦٦- رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتِهمْ * قَطِيناً لهم حتى إذا أَنْبَتَ البَقْلُ
وأباه الأصمعي، والبيتُ حجةٌ عليه، وتأويلُه بـ "أَنبت البقلُ نفسَه" على المجاز بعيدٌ جداً.
وقرأ أبو بكر "نُنْبِتُ" بنون العظمة،/ والزهري "نُنَبِّتُ" بالتشديد. والظاهر أنه تضعيف المتعدي. وقيل: بل للتكرير. وقرأ أُبَي "يَنْبُت" بفتحِ الياءِ وضم الباء، "الزَّرعُ" وما بعده رفعٌ بالفاعلية.
(٩/٢٣١)