وقد يُقال: وَجْهُ النظرِ الممتنعُ تعدَّى ذلك الفعلِ، أي: وقوعُه على ما جُرَّ بالحرف نحو: "زيدٌ مَرَّ به" فإن المرورَ واقعٌ بزيد، وأمَّا ما نحن فيه فليس الجَعْلُ واقعاً بالجاعِلين، بل بما يَشْتهون، وكان الشيخُ يَعْترض دائماً على القاعدةِ المتقدمةِ بقوله تعالى: ﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ والجوابُ عنهما ما تقدَّم: وهو أنَّ الهَزَّ والضَّمَّ ليسا واقعين بالكاف، وقد تقدَّم لنا هذا في مكانٍ آخرَ، وإنما أَعَدْتُه لصعوبتِه وخصوصِية هذا بزيادةِ فائدةٍ.
* ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ﴾: يجوز أن تكونَ على بابِها مِنْ كونِها تدلُّ على الإقامة نهاراً على الصفةِ المسندةِ إلى اسمها، وأن تكونَ بمعنى صار، وعلى التقديرَيْن فهي ناقصةٌ، و "مُسْوَدّاً" خبرُها. وأمَّا "وجهُه" ففيه وجهان، المشهور - وهو المتبادَرُ إلى الذهن - أنه اسمها. والثاني: أنه بدلٌ من الضميرِ المستتر في "ظل" بدلُ بعضٍ من كل، أي: ظلَّ أحدُهم وجهُه، أي: ظلَّ وجهُ أحدِهم.
قوله: "كَظِيم" يجوز ان يكونَ بمعنى فاعِل، وأن يكونَ بمعنى مَفْعول كقوله ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ والجملة حال من الضمير في "ظَلَّ"، أو مِنْ "وجهه"، أو من الضمير في "ظَلَّ". وقال أبو البقاء هنا: "فلو قُرِئ "مُسْوَدٌّ" يعني بالرفع لكان مستقيماً، على أن تَجْعَلَ اسمَ "ظَلَّ" مضمراً، والجملةُ خبرها". وقال في سورة الزخرف: "ويُقرآن بالرفع على أنه مبتدأٌ وخبر في موضعِ خبرِ "ظلَّ".
* ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُواءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
(٩/٢٦٨)
---


الصفحة التالية
Icon