قوله: "لَبَنا" هو المفعولُ الثاني لنُسْقي. وقرئ "سَيِّغاً" بتشديد الياء بزِنة "سَيِّد"، وتصريفُه كتصريفِه. وخَفَّفه عيسى بن عمر نحو: مَيْت وهَيْن. ولا يجوز أن يكون فَعْلاً؛ إذ كان يجب أن يكونَ "سَوْغاً" كقَوْل.
* ﴿ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ﴾: فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه متعلقٌ بمحذوف، فقدَّره الزمخشريُّ: "ونُسْقيكم من ثمراتِ النخيل والأهناب، أي: مِنْ عصيرِها، وحُذِف لدلالةِ "نُسْقيكم" قبلَه عليه". قال: "وتَتَّخذون: بيانٌ وكَشْفٌ عن كيفية الإسقاء". وقدَّره أبو البقاء: "خَلَقَ لكم وجَهَلَ لكم".
وما قدَّره الزمخشريُّ أَلْيَقُ، لا يُقال: لا حاجةَ إلى تقدير "نُسْقيكم" بل قولُه ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ﴾ عطفٌ على قولِه ﴿مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ فيكون عَطَفَ بعضَ متعلِّقاتِ الفعلِ الأولِ على بعضٍ، كما تقول: "سَقَيْتُ زيداً من اللبن ومن العسل" فلا يحتاج إلى تقديرِ فعلٍ قبل قولك "من العسل"، لا يُقال ذلك لأنَّ "نُسْقيكم" الملفوظَ به وقع تفسيراً لِعبْرة الأنعام فلا يَليقُ تَعَلُّق هذا به، لأنه ليس من العِبْرة المتعلقةِ بالأنعام. قال الشيخ: "وقيل: متعلِّقٌ بـ "نُسقيكم". فيكونُ معطوفاً على ﴿مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ أو بـ "نُسقيكم" محذوفةً دلَّ عليها "نُسقيكم". انتهى. ولم يُعْقِبْه بنكير، وفيه ما قَدَّمْتُه آنفاً.
(٩/٢٧٥)
---


الصفحة التالية
Icon