قلت: فغايةُ ما في هذا أنه نحا إلى أقوالٍ قال بها غيرُه. وأمَّا المناقضةُ فليست صحيحةً؛ لأنه عَنَى أولاً أنه لا يَعْمَل في السِّعَة، وثانياً أنه قد جاء عاملاً في الضرورة، ولذلك قيَّده فقال: "في قول الشاعر".
قوله: ﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ يجوز في الجملة وجهان: العطفُ على صلةِ "ما"، والإخبارُ عنهم بنفيِ الاستطاعةِ على سبيلِ الاستئنافِ، ويكون قد جَمَع الضميرَ العائدَ على "ما" باعتبارِ معانها؛ إذ المرادُ بذلك آلهتهم، ويجوز أن يكونَ الضميرُ عائداً على العابدين.
* ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿وَمَن رَّزَقْنَاهُ﴾: يجوزُ في "مَنْ" هذه أن تكونَ موصولةً، وأن تكونَ موصوفةً. واختاره الزمخشري قال: "كأنه قيل: وحُرَّاً رَزَقْناه، ليطابِقَ عَبْداً". ومحلُّها النصبُ عطفاً على "عبداً". وقد تقدَّم الكلامُ في المَثَلِ الواقعِ بعد "ضَرَبَ".
قوله: ﴿سِرّاً وَجَهْراً﴾ يجوز أن يكونَ منصوباً على المصدر، أي: إنفاقَ سِرٍّ وجَهْر، ويجوز أن يكونَ حالاً.
قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ إنما جُمِعَ الضميرُ وإن تَقَدَّمَه اثنان؛ لأنَّ المرادَ جنسُ العبيدِ والأحرارِ المدلولِ عليهما بعبد وبمَنْ رَزَقْنَاه. وقيل: على الأغنياءِ والفقراءِ المدلولِ عليهما بهما أيضاً. وقيل: اعتباراً بمعنى "مَنْ" فإنَّ معناها جكعٌ، راعى معناها بعد ان راعَى لفظَها.
قوله: ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ حُذِفَ مفعولُ العِلْمِ اختصاراً أو اقتصاراً.
(٩/٢٨٣)
---