قوله تعالى: ﴿بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾: متعلقٌ بفعل النهي. والتوكيدُ مصدرُ وَكَّدَ يُوَكِّدُ بالواو، وفيه لغةٌ أخرى: أَكَّد يُؤَكِّد بالهمز، وهذا كقولِهم: وَرَّخْتُ الكتابَ وأرَّخْتُه، وليست الهمزة بدلاً من واوٍ كما زعم أبو إسحق؛ لأنَّ الاستعمالين في المادتين متساويان، فليس ادِّعاء كونِ أحدهما أصلاً أَوْلَى من الآخر.
وتبع مكيٌّ الزجاجَ في ذلك ثم قال: "ولا يَحْسُن أَنْ يقال: الواوُ بدلٌ من الهمزة، كما لا يَحْسُنُ أن يقالَ ذلك في "أَحَد"؛ إذ صلُه "وَحَد"، فالهمزةُ بدل من الواو". يعني أنه لا قائلَ بالعكس، وكذلك تَبِعَه في ذلك الزمخشري أيضاً. و "تَوْكِيدها" مصدرٌ/ مضافٌ لمفعوله.
وأدغم أبو عمروٍ الدالَ في التاء، ولا ثانيَ له في القرآنِ، أعني أنه لم تُدْغَمْ دالٌ مفتوحةٌ بعد ساكنٍ إلا في هذا الحرفِ.
قوله: ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ﴾ الجملةُ حالٌ: إمَّا مِنْ فاعلِ "تَنْقُضوا"، وأما من فاعلِ المصدرِ، وإن كان محذوفاً.
* ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿أَنكَاثاً﴾: يجوز فيه وجهان، أظهرُهما: أنه حالٌ مِنْ "غَزْلِها". والأَنْكاث: جمعُ نِكْث بمعنى مَنْكوث، أي: منقوضٌ. والثاني: أنه مفعولٌ ثانٍ لتضمين "نَقَضَتْ" معنى "صَيَّرَتْ". وجَوَّز الزجاجُ فيه وجهاً ثالثاً وهو: النصبُ على المصدرية؛ لأنَّ معنى نَقَضَتْ: نَكَثَتْ، فهو مُلاقٍ لعاملِه في المعنى.
قوله: "تَتَّخذون" يجوز أن تكونَ الجملةُ حالاً من واو "تكونوا" أو من الضمير المستتر في الجارِّ، إذ المعنى: لا تكونوا كذا حالَ كونِكم متَّخذين.
(٩/٢٩٣)
---