قوله: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ راعى معنى "مَنْ" فَجَمع الضميرَ بعد أن راعَى لفظَهَا فَأَفْرَدَ في "فَلَنُحْيِيَنَّهُ" وما قبله، وقرأ العامَّةُ "وَلَجْزِيَنَّهم" بنونِ العظمةِ مراعاةً لِما قبله. وقرأ ابنُ عامر في روايةٍ بياء الغيبة، وهذا ينبغي أن يكونَ على إضمارِ قَسَمٍ ثانٍ، فيكونَ من عطفِ جملةٍ قَسَميةٍ مثلِها، حُذفتا وبقي جواباها.
ولا جائزٌ أن يكونَ مِنْ عطفِ جوابٍ على جواب لإفضائِه إلى أخبارِ المتكلم عن نفسِه بإخبار الغائب، وهو لا يجوزُ. لو قلت: "زيد قال: واللهِ لأَضْرِبَنَّ هنداً ولَينفينَّها" تريد: ولَينفينَّها زيدٌ، لم يَجُزْ. فإن أَضْمَرْت قسماً آخرَ جاز، لأأي: وقال: واللهِ لينفينَّها؛ لأنَّ لك في مثلِ هذا التركيبِ أن تحكيَ لفظه، ومنه ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى﴾ وأن تحكيَ معناه، ومنه ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ﴾ ولو جاء على اللفظ لقيل: ما قلنا.
* ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ﴾ أي: فإذا أَرَدْتَ، فأضمرتَ الإرادةَ. قال الزمخشري: "لأنَّ الفعلَ يوجد عند القصدِ والإرادةِ من غير فاصلٍ وعلى حسبِه، فكان منه بسببٍ قوي وملابسةٍ ظاهرة". وقال ابن عطية: "فـ "إذا" وَصْلاةٌ بين الكلامين، والعربُ تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية: فإذا أَخَذْتَ في قراءةِ القرآن فاسْتَعِذْ". قلت: وهذا هو مذهبُ الجمهورِ من القُرَّاء والعلماء، وقد أخذ بظاهرِ الآية، فاستعاذ بعد أن قرأ، من الصحابة أبو هريرة، ومن الأشمة مالك وابن سيرين، ومن القرَّاء حمزة.
* ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾
(٩/٢٩٧)
---


الصفحة التالية
Icon