السابع: أنها مبتدأٌ أيضاً، وخبرُها وخبرُ "مَنْ" الثانيةِ أيضاً قولُه ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾، قاله ابن عطية، قال: "إذ هو واحدٌ بالمعنى؛ لأنَّ الإخبارَ في قولِه ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ﴾ إنما قَصَدَ به الصنفَ الشارحَ بالكفر". قال الشيخ: "وهذا وإنْ كان كما ذكر، إلا أنهما جملتان شرطيتان، وقد فُصِل بينهما بأداةِ الاستدراك، فلا بد لكلِّ واحدةٍ منهما على انفرادِها مِنْ جوابٍ لا يشتركان فيه، فتقديرُ الحَذْفِ أَجْرَى على صناعةِ الإعرابِ، وقد ضَعَّفوا مَهبَ الأخفشِ في ادِّعائه أنَّ قولَه "فسلامٌ لكَ من أصحابِ اليمين"، وقولُه ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ جوابُ "أمَّا"، و "إنْ" هذا، وهما أداتا شرط وَلِيَتْ إحداهما الأخرى".
الثامن: أن تكونَ "مَنْ" شرطيةً وجوابُها مقدرٌ تقديره: فعليهم غضبٌ؛ لدلالةِ ما بعد "مَنْ" الثانيةِ عليه. وقد تقدَّم أن ابنَ عطية جَعَلَ الجزاءَ لهما معاً، وتقدَّم الكلامُ معه فيه.
قولِه: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مستثنى مقدَّمٌ مِنْ قولِه ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾، وهذا يكونُ فيه منقطعاً؛ لأنَّ المُكْرَه لم يَشْرَحْ بالكفرِ صدراً. وقال أبو البقاء: "وقيل: ليس بمقدَّمٍ فهو كقول لبيد:
٣٠١٦- ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ *..............................
فظاهرُ كلامِه يَدُلُّ أنَّ بيتَ لبيدٍ لا تقديمَ فيه، وليس كذلك فإنه ظاهرٌ في التقديمِ جداً.
الثاني: أنه مستثنى مِنْ جوابِ الشرط، أو مِنْ خبر المبتدأ المقدر، تقديرُه: فعليهمْ غضبٌ من الله إلا مَنْ أُكْرِه، ولذلك قَدَّر الزمخشري جزاءَ الشرط قبل الاستثناء، وهو استثناءٌ متصلٌ؛ لأنَّ الكفرَ يكون بالقولِ مِنْ غير اعتقادٍ كالمُكْرَه، وقد يكون - والعياذُ بالله - باعتقادٍ، فاستثنى الصِّنفَ الأول.
قوله: ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ﴾ جملةٌ حاليةٌ، أي: إلا مَنْ أُكْرِهَ في هذه الحالةِ.
(٩/٣٠١)
---