ووجه الاستعارةِ ما قاله الزمخشري، فإنه قال: "فإن قُلْتَ، الإذاقةُ واللباسُ استعارتان فما وجهُ صحتِهما؟ والإذاقةُ المستعارةُ مُوَقَّعَةٌ على اللباس المستعار فما وجهُ صحةِ إيقاعِها عليه؟ قلت: الإذاقَةُ جَرَتْ عندهم مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البلايا والشدائد وما يَمَسُّ الناسَ منها، فيقولون، ذاقَ فلانٌ البؤْسَ والضُّرَّ، وإذاقة العذابُ، شَبَّه ما يُدْرِكُ مِنْ أثرِ الضررِ والألمِ بما يُدْرِكُ مِنْ طَعْمِ المُرِّ والبَشِع، وأمَّا اللباسُ فقد شبَّه به لاشتمالِه على اللابسِ ما غَشِيَ الإنسانَ والتبس به من بعض الحوادث. وأمَّا إيقاعُ الإذاقةِ على لباسِ الجوعِ والخوفِ فلأنه لمَّا وقع عبارةً عَمَّا يُغْشَى منهما ويُلابِسُ، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غَشِيهم من الجوعِ والخوفِ. ولهم في هذا طريقان، أحدهما: أن ينظروا فيه إلى المستعار له كما نَظَرَ إليه ههنا، ونحوُه قول كثيِّر:
٣٠٢٠- غَمْرُ الرِّداءِ إذا تَبَسَّم ضاحكاً * غَلِقَتْ لضَحْكَتِهِ رِقابُ المالِ
استعار الرداءَ للمعروفِ لأنه يَصُون عِرْضَ صاحبِه صَوْتَ الرداءِ لِما يُلْقى عليه، ووصفَه بالغَمْرِ الذي هو وصفُ المعروفِ والنَّوال، لا وصفُ الرداء، نظراً إلى المستعار له. أن ينظروا فيه المستعار كقوله:
٣٠٢١- يُنازعني رِدائي عَبْدُ عَمْرٍو * رُوَيْدَك يا أخا عمرِو بن بكر
ليَ الشَّطْرُ الذي ملكَتْ يميني * ودونَك فاعْتَجِز منه بِشَطْرِ
أراد بردائِه سيفضه ثم قال: "فاعتجِرْ منه بِشَطْر" فنظر إلى المستعارِ في لفظِ الاعتجار، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقال: "فكساهُمْ لباسَ الجوعِ والخوف"، ولقال كثِّير: "ضافي الرداءِ إذا تبسَّم". انتهى. وهذا نهايةُ ما يُقال في الاستعارة.
وقال ابن عطية: "لمَّا باشرهم ذلك صار كاللباس، وهذا كقول الأعشى:
٣٠٢٢- إذا ما الضَّجِيْعُ ثنى جِيْدَها * تَثَنَّتْ عليه فكانَتْ لباسا
(٩/٣٠٥)
---


الصفحة التالية
Icon