ومثلُه قولُه تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ/ لَّهُنَّ﴾ ومثلُه قولُ الشاعر:
٣٠٢٢- وقد لَبِسَتْ بعد الزبيرِ مُجاشِعٌ * لباسَ التي حاضَتْ ولن تَغْسِل الدَّما
كأنَّ العارَ لمَّا باشرهم ولصِقَ بهم كأنهم لَبِسُوه".
وقوله: "فأذاقهم" نظيرُ قولِه تعالى: "ذُقْ إنك [أنت] العزيزُ الكريم، ونظيرُ قولِ الشاعر:
٣٠٢٣- دونَكَ ما جَنَيْتَه فاحْسُ وذُقْ
وفي قراءةِ عبد الله "فأذاقها اللهُ الخوفَ والجوعَ"، وفي مصحف أُبَيّ "لباسَ الخوفِ والجوعِ".
وقوله: ﴿بِأَنْعُمِ اللَّهِ﴾ أتى بجمعِ القلَّةِ، ولم يَقُلْ "بِنِعَمِ الله" جمعَ كثرةٍ تنبيهاً بالأدْنى على الأَعْلى؛ لأنَّ العذابَ إذا كان على كُفْرانِ الشيءِ القليلِ فكونُه على النِّعَم الكثيرةِ أَوْلَى.
و "أنْعُم" فيها قولان، أحدُهما: أنها جمعُ "نِعْمةٍ" نحو: شِدَّة: أَشُدّ. قال الزمخشري: "جمعُ "نِعمة" على تَرْكِ الاعتداد بالتاء كَدِرْع وأَدْرُع". وقال قطرب: "هي جمه نُعْم، والنُّعْمُ: النَّعيم، يقال: "هذه أيامُ طُعْم ونُعْم". وفي الحديث: "نادى مُنادي رسولِ الله ﷺ بالمَوْسِم بمنى: "إنها أيام طُعْمٍ ونُعْمٍ فلا تَصُوموا
". قوله: ﴿بِمَا كَانُواْ﴾ يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً، أو بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ، أي: بسبب صُنْعهم أو بسببِ الذي كانوا يصنعونه. والواو في "يَصْنعون" عائدةٌ على أهل المعدَّب. قيل: قرية، وهي نظيرةُ قولِه ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ بعد قولِه ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾.
* ﴿ فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ﴾: صَرَّح هنا بالنعمة لتقدُّمِ ذِكْرها مع مَنْ كفر بها، ولم يَجِئْ ذلك في البقرة، بل قال: ﴿وَاشْكُرُواْ للَّهِ﴾ لمَّا لم يتقدمْ ذلك، وتقدَّم نظائرُها هنا.
(٩/٣٠٦)
---


الصفحة التالية
Icon