قوله: "لِتَفْتَرُوا" في اللامِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: قال الواحدي: "إنه بدلُ مِنْ ﴿لِمَا تَصِفُ﴾ لأنَّ وصفَهم الكذبَ هو افتراءٌ على الله". قال الشيخ: "فهو على تقدير جَعْلِ "ما" مصدريةً، أمَّا إذا كانت بمعنى الذي فاللامُ فيها ليست للتعليل فَيُبْدل منها مت يُفْهِمُ التعليلَ، وغنما اللامُ في "لِما" متعلقةٌ بـ "لا تقولوا" على حَدِّ تَعَلُّقِها في قولك: لا تقولوا لِما أَحَلَّ اللهُ: هذا حرامٌ، أي: لا تُسَمُّوا الحَلالَ حراماً وكما تقول: لا تقلْ لزيدٍ عمراً، أي: لا تُطْلِقْ عليه هذا الاسمَ". قلت: وهذا وإن كان ظاهراً، إلاَّ أنه لا يمنع من إرادةِ التعليل، وإنْ كانت بمعنى الذي.
الثاني: أنها للصيرورة إذ لم يَفْعلوه لذلك الغرض.
الثالث: أنها للتعليلِ الصريحِ، ولا يَبْعُدُ أن يَصْدُرَ مثلُ ذلك.
* ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿مَتَاعٌ﴾: فيه وجهان، أحدُهما: أنه مبتدأٌ، و "قليل" خبره، وفيه نظرٌ للابتداءِ بنكرةٍ مِنْ غيرِ مُسَوِّغ. فإن ادُّعِي إضافتُه نحو: متاعُهم قليل، فهو بعيدٌ جداً. الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: بَقاؤهم أو عيشُهم أو منفعتُهم فيما هم عليه.
* ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَاكِن كَانُوااْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
قوله تعالى: ﴿مِن قَبْلُ﴾: متعلِّقٌ بـ "حَرَّمْنَا" أو بـ "قَصَصْنَا" والمضافُ إليه "قبلُ" تقديرُه: ومِنْ قبلِ تحريمِنا على أهلِ مِلَّتِك.
* ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّواءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوااْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
قوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِهَا﴾: أي: مِنْ بعدِ عَمَلِ السوءِ والتوبةِ والإصلاح، وقيل: على الجهالةِ. وقيل: على السوءِ؛ لأنه في معنى المعصيةِ.
(٩/٣٠٩)
---