وقرأ عليٌّ أيضاً وابنُ عباس وأبو عثمان النهدي: "أمَّرْنا" بالتشديد. وفيه وجهان، أحدهما: أنَّ التضعيفَ للتعديةِ، عدَّاه تارةً بالهمزة وأخرى بتضعيفِ العين، كأَخْرَجْته وخَرَّجته. والثاني: أنه بمعنى جعلناهم اُمَراءَ، واللازمُ من ذلك "أُمِّر". قال الفارسيُّ، "لا وجهَ لكون "أَمَّرْنا"/ من الإمارة؛ لأنَّ رئاستَهم لا تكونُ إلاَّ لواحدٍ بَعْدَ واحدٍ، والإهلاكُ إنما يكون في مُدَّة واحدة". وقد رُدَّ على الفارسي: بأنَّا لا نُسَلِّم أن الأميرَ هوالمَلِك حتى يَلْزَمَ ما قلتُ، لأنَّ الأميرُ عند العرب مَنْ يَأْمُرُ ويُؤْتَمَرُ به. ولَئِنْ سُلِّم ذلك لا يلزم ما قال؛ لأنَّ المُتْرَفَ إذا مَلَكَ فَفَسَق ثم آخرَ بعده فَفَسَق، ثم كذلك كَثُر الفسادُ، ونزل بهم على الآخِر مِنْ ملوكهم.
* ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ﴾
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا﴾: "كم" نصبٌ بأَهْلكنا، و ﴿مِنَ الْقُرُونِ﴾ تمييزٌ لـ "كم"، و ﴿مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾: "مِنْ" لابتداء الغاية، والأُوْلى فلذلك متعلَّقُها. وقال الحوفي: "الثانية بدلٌ مِن الأولى، وليس كذلك لاختلاف معنييهما. والباءُ بعد "كَفَى" تقدَّم الكلامُ عليها. وقال ابن عطية: "إنما يُجاءُ بهذه الباءِ في موضعِ مَدْحٍ أو ذم". والباء في "بذنوب" متعلقةٌ بـ "خبيراً"، وعَلَّقها الحوفيُّ بـ "كَفَى". قال الشيخ: "وهو وهمٌ". قلت: إنما جَعَلَه وهماً لأنه لا يَتَعَدَّى بالباء، ولا يليق به المعنى.
* ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ﴾
(٩/٣٣٢)
---