وقرأ يحيى بن يعمر - ونقلها الزمخشريُّ عن الحسن - "ذَكَّرَ" فعلاً ماضياً مشدِّدا، و "رحمةَ" بالنصبِ على أنها مفعولٌ ثانٍ قُدِّمَتْ على الأولِ، وهو "عبدَه" والفاعلُ: إمَّا ضميرُ القرآنِ، أو ضميرُ القرآنِ، أو ضميرُ الباري تعالى. والتقدير: أَنْ ذكَّر القرآنُ المتلُوُّ - أو ذَكَّر اللهُ - عَبْدَه رحمتَه، أي: جَعَلَ العبدَ يَذْكرُ رحمتَه. ويجوز على المجازِ المتقدِّمِ أن تكون "رحمةَ ربك" هو المفعولَ الأولَ، والمعنى: أنَّ اللهَ جَعَلَ الرحمةَ ذاكرةً للعبدِ. وقيل: الأصلُ: ذكَّرَ برحمةٍ، فلمَّا انْتُزِعَ الجارُّ نُصِب مجرورُه، ولا حاجةَ إليه.
وقرأ الكلبيُّ "ذَكَرَ" بالتخفيفِ ماضياً، "رحمةَ" بالنصبِ على المفعول به، "عبدُه" بالرفع فاعلاً بالفعلِ قبلَه، "زكريَّا" بالرفعِ على البيانِ او البدلِ او على إضمارِ مبتدأ، وهو نظيرُ إضمار الناصب في القراءة الأولى.
وقرأ يحيى بن يعمر - فيما نقله عنه الدانيُّ- "ذَكَّرْ" فعلَ أمرٍ، "رحمةَ" و "عبدةَ" بالنصب فيهما على أنهما مفعولان، وهما على ما تقدَّم مِنْ كونِ كلِّ واحدٍ يجوز أَنْ يكونَ المفعولَ الأولَ أو الثاني، بالتأويلِ المتقدِّم في جَعْلِ الرحمة ذاكرةً مجازاً.
* ﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً ﴾
قوله: ﴿إِذْ نَادَى﴾: في ناصبه ثلاثةُ أوجهٍٍ، أحدُها: أنَّه "ذِكْرُ" ولم يذكر الحوفيُّ غيرَه. والثاني: أنَّه "رحمة"، وقد ذكر الوجهين أبو البقاء. والثالث: أنَّه بدلٌ مِنْ "زكريَّا" بدلُ اشتمالٍ لأنَّ الوقتَ مُشْتملٌ عليه وسيأتي مِثْلُ هذا عند قولِه ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ﴾ ونحوِه.
* ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً ﴾
قوله: ﴿قَالَ رَبِّ﴾: لا مَحَلَّ لهذهِ الجملةِ لأنها تفسيرٌ لقولِه "نادى ربَّه" وبيانٌ، ولذلك تُرِكَ العاطفُ بينهما لشدَّة الوَصْلِ.


الصفحة التالية
Icon