قال أبو البقاء: - بعد أن حكى عن الزمخشريِّ هذا الوجهَ- "وهو بعيدٌ؛ لأنَّ الزمانَ إذا لم يكنْ حالاً من الجثة ولا خبراً عنها ولا صفةً لها لم يكن بَدَلاً منها". وفيه نظرٌ لأنَّه لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صحةِ ما ذَكَرَ عَدَمُ صحةِ البدلية، ألا ترى نحو: "سُلِبَ زيدٌ ثوبُه" فـ "ثوبُه" لا يَصِحُّ جَعْلُه خبراً عن "زيد" ولا حالاً منه ولا وصفاً له، ومع ذلك فهو بدلٌ اشتمالٍ.
السادس: أنَّ "إذ" بمعنى "أَنْ" المصدرية كقولِك: "لا أُكْرِمُك إذ لم تكرِمْني"، أي: لأنَّك لا تُكْرِمُني، فعلى هذا يَحْسُن بدلُ الاشتمال، أي: واذكر مريمَ انتباذَها. ذكره أبو البقاء.
والانْتِباذُ: افتعالٌ من النَّبْذِ وهو الطَّرْحُ، وقد تقدَّم بيانُه.
* ﴿ فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ﴾
والجمهورُ على ضَمِّ الراء مِنْ "رُوْحِنا" وهو ما يَحْيَوْن به. وقرأ أبو حيوة وسهلٌ بفتحها، أي: ما فيه راحةٌ للعباد كقوله: ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ وحكى النقاش أنه قد قُرِئ "رُوْحَنَّا" بتشديدِ النون، وقال: هو اسم مَلَكٍ من الملائكة.
قوله: ﴿بَشَراً سَوِيّاً﴾ حالٌ مِنْ فاعل "تَمَثَّلَ". وسَوَّغ وقوعَ الحالِ جامدة وَصْفُها، فلمَّا وُصِفَتِ النكرةُ وقعت حالاً.
* ﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً ﴾
(١٠/١١٨)
---


الصفحة التالية
Icon