قوله: ﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً﴾: في نصبه أوجهٌ، أحدها: أن تكونَ مفعولاً من أجله. والعاملُ فيه فِعْلُ الإِنزال، وكذلك "تَشْقَى" علةٌ له أيضاً، ووجبَ مجيءُ الأولِ مع اللام لأنه ليس لفاعلِ الفعلِ المُعَلَّل، ففاتَتْه شريطةُ الانتصابِ على المفعولية، والثاني جاز قط اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. هذا كلام الزمخشري، ثم قال: "فإن قلتَ: "هل يجوزُ أن تقولَ: ما أَنْزَلْنا، أن تَشقى كقوله ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾؟ قلت: بلى ولكنها نصبةٌ طارئة كالنصبةِ في ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ وأما النصبةُ في "تَذْكِرةً" فهي كالتي في "ضَرَبْت زيداً" لأنه أحدُ المفاعيلِ الخمسةِ التي هي أصولٌ وقوانينُ لغيرِها".
قلت: قد منع أبو البقاء أن تكونَ "تَذْكرةً" مفعولاً له لأَنْزَلْنا المذكورةِ، لأنها قد تعدَّتْ إلى مفعولٍ له وهو "لِتَشْقَى" فلا تتعدَى إلى آخرَ مِنْ جنسِه. وهذا المنعُ ليس بشيءٍ؛ لأنه يجوزُ أَنْ يُعَلَّلَ الفعلُ بعلتين فأكثرَ، وإنما هذا بناءً منه على أنه لا يُفضِي العاملُ من هذه الفَضَلاتِ إلاَّ شيئاً واحداً، إلاَّ بالبدلية أو العطف.
الثاني: أن تكونَ "تذكرة" بدلاً مِنْ محلِّ "لتَشْقَى" وهو رأي الزجاج، وتبعه ابنُ عطية، واستبعده أبو جعفر، ورَدَّه الفارسيُّ بأنَّ التذكرةَ ليسَتْ بشقاءٍ. وهو ردذٌّ واضحٌ. وقد أوضح الزمخشريُّ هذا فقال: "فإنْ قلتَ: هل يجوزُ أن تكونَ "تذكرةً" بدلاً مِنْ محلِّ "لِتشْقى"؟ قلت: لا؛ لاختلافِ الجنسينِ ولكنها نُصِبَتْ على الاستثناءِ المنقطع الذي "إلاَّ" فيه بمعنى "لكن".
(١٠/١٨٠)
---