وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد "أُفْلِحَ" مبنياً للمعفول أي: دَخَلوا في الفلاح. فيُحتمل أَنْ يكونَ مِنْ أفلح متعدِّياً. يقال: أَفْلحه أي: أصاره إلى الفلاح، فيكون "أفلح" مستعملاً لازماً ومتعديِّاً. وقرأ طلحة أيضاً "أَفْلَحُ" بفتح الهمزة واللام وضمِّ الحاء. وتخريجُها على أنَّ الأصلَ "أَفْلحوا المؤمنون" بلحاقِ علامةِ جمعٍ قبل الفاعلِ كلغة "أكلوني البراغيث" فيجيءُ فيها ما قَدَّمْتَه في قول: ﴿ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ قال عيسى: "سمعتُ طلحةَ يقرؤُها. فقلتُ له: أتلحنُ؟ اقل: نعم كما لحن أصحابي" يعني اتَّبَعْتُهم فيما قَرَأْتُ به. فإنْ لَحَنوا على سبيلِ فَرْضِ المُحالِ فِأنا لاحنٌ تَبَعاً لهم. وهذا يدلُّ على شدِّةِ اعتناءِ القدماءِ بالنَّقْلِ وضَبْطِه خلافاً لمن يُغَلِّطُ الرواةَ.
وقال ابن عطية: "وهي قراءةُ مردودةٌ". قلت: ولا أدري كيف يَرُدُّونها مع ثبوتِ مِثْلِها في القرآن بإجماع وهم الآيتان المتقدمتان؟ وقال الزمخشري: "وعنه ـ أي عن طلحةَ ـ "أَفْلَحُ" بضمةٍ بغير واو، اجتزاءً بها عنها قوله:
٣٤٠١ـ فلَوْ أنَّ الأَطِبَّا كانُ حَوْلي *.........................
وفيه نظرٌ مِنْ حيث إنَّ الواوَ لا تَثْبُتُ في مثلِ هذا دَرْجاً لئلاً يلتقي ساكنان، فالحَذْفُ هنا لا بُدَّ منه فكيف يقول اجتزاءً عنها بها؟ وأمَّا تنظيرُه بالبيتِ فليس بمطابقٍ؛ لأنَّ حَذْفَها من الآيةِ ضروريٌّ ومن البيتِ ضرورةٌ. وهذه الواوُ لا يظهر لفظُها في الدَّرْجِ، بل يظهرُ في الوقفِ وفي الخَطِّ.
(١١/٢٤)
---