الرابع: أنَّها منصوبةٌ على الحال مِنْ "ها" في "أَنْزِلْناها". والحالُ من المُكْنَى يجوز أن تتقدَم عليه. قاله الفراء. وعلى هذا فالضميرُ في "أَنْزَلْناها" ليس عائداً على سورة بل على الأحكام. كأنه قيل: أَنْزلنا الأحكامَ سورةً مِنْ سُوَرِ القرِآن، فهذه الأحكامُ ثابتةٌ بالقرآنِ، بخلافِ غيرِها فإنَّه قد ثَبَتَتْ بالسُّنة.
قوله: ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديدِ. والباقون بالتخفيف. فالتشديد: إمَّا للمبالغةِ في الإِيجاب وتوكيداً، وإمَّا لتكثير المفروض عليهم، وإمَّا لتكثيرِ الشيءِ المفروض. والتخفيفُ بمعنى: أَوْجَبْناها وجعلناها مقطوعاً بها.
* ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قوله: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾: في رفعهما وجهان: مذهب سيبويه أنَّه مبتدأٌ، وخبرُه محذوفٌ أي: فيما يُتْلَى عليكم حكمُ الزانية. ثم بيَّن ذلك بقوله: ﴿فَاجْلِدُواْ﴾ إلى آخره. والثاني وهو مذهبُ الأخفش وغيرِه: أنه مبتدأٌ. والخبرُ جملة الأمر. ودخلت الفاءُ لشبْه المبتدأ بالشرط. وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المسألةِ مستوفىً عند قولِه ﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا﴾ وعند قولِه ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ فأغنى عن إعادتِه.
وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وشيبة ورُوَيْس بالنصبِ على الاشتغال. وقال الزمخشري: "ةوهو أحسنُ مِنْ "سورةً أنزلناها" لأجلِ الأمر. وقُرىء "واللذَّانِ" بلا ياءٍ.
(١١/٧٧)
---


الصفحة التالية
Icon