قوله: ﴿وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ يجوزُ أن تكونَ هذه الجملةُ مستأنفةً. وهو الأظهرُ، وجَوَّزَ أبو البقاء فيها أن تكونَ حالاً.
* ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾
قوله: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾: في هذا الاستثناءِ خلافٌ: هل يعودُ لِما تقدَّمه من الجملِ أم إلى الجملة الأخيرة فقط؟ وتكلم عليهم من النحاةِ ابنُ مالك والمهاباذي. فاختار ابنُ مالك عَوْدَه إلى الجملةِ المتقدمةِ، والمهاباذي إلى الأخيرة. وقال الزمخشري:"ردٌّ شهادةِ القاذفِ مُعَلَّقٌ عند أبي حنيفة رحمه الله باستيفاءِ الحدِّ. فإذا شهد
[به] قبل الحَدَّ أو قبلَ مام استيفائِه قُلِبَتْ شهادتُه. فإذا اسْتُوفي لم تُقْبَلْ شهادتُه أبداً، وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء. وعند الشافعيِّ رحمه الله يتعلَّقُ رَدُّ شهادِته بنفسِ القَذْفِ. فإذا تاب عن القَذْفِ بأَنْ يرجعَ عنه عاد مقبولَ الشهادة. وكلاهما متمسِّكٌ بالآية: فأبو حنيفةَ ـ رحمه الله ـ جَعَلَ جزاءَ الشرطِ ـ الذي هو الرميُ ـ الجَلْجَ ورَدَ الشهادةِ عقيبَ الجَلْدِ على التأبيد، وكانوا مردودي الشهادة عندَه في أَبَدِهم وهومدةُ حياتِهم، وجعل قولَه ﴿وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ كلاماً مستأنفاً غيرَ داخلٍ في حَيِّزِ جزاءِ الشرط، كأنه حكايةُ حالِ الرامين عند الله بعد انقضاءِ الجملةِ الشرطيةِ، و﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ﴾ استثناءٌ من "الفاسقين". ويَدُلُّ عليه قولُه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. والشافعيُّ ـ رحمه الله ـ جَعَل جزاءَ الشرطِ الجملتين أيضاً، غيرَ أنه صَرَفَ الأبدَ إلى مدةِ كونهِ قاذفاً وهي تنتهي بالتوبة [والرجوع] عن القذف، وجعل الاستثناء بالجملةِ الثانية متعلقاً". انتهى، وإنما ذكرتُ الحكمَ؛ لأنَّ الإِعرابَ متوقفٌ عليه.
(١١/٨٠)
---