وقرأ أبو الدَّرْداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء والحسن وأبو جعفر في آخرينت "نُتَّخَذَ" مبنيِّاً للمفعول. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّها المتعديةُ لاثنينِ، والأولُ همز ضمير المتكلمين. والثاني: قولُه: مِنْ أولياء" و"مِنْ" للتبعيضِ أي: ما كان ينبغي أَنْ نَتَّخِذَ بعضَ أولياء، قال الزمخشري. الثاني: أنَّ "مِنْ أولياء" هو المفعولُ الثاني ايضاً، إلاَّ أنَّ "مِنْ" مزيدةٌ في المفعولِ الثاني. وهذا مردودٌ: بأنَّ "مِنْ" لا تُزاد في المفعول الثاني، إنما تُزاد في الأولِ. قال ابن عطية: "ويُضْعِفُ هذه القراءةَ دخولُ "مِنْ" في قوله: "مِنْ أولياء". اعتَرَض بذلك سعيدُ بن جبير وغيرُه". الثالث: أَنْ يكونَ "مِنْ أولياء" في موضعِ الحالِ. قاله ابن جني إلاَّ أنه قال: "ودَخَلَتْ "مِنْ" زيادةً لمكانِ النفيِ المتقدم، كقولك: ما اتَّخذت زيداً مِنْ وكيل". قلت: فظاهرُ هذا أنه جَعَلَ الجارَّ والمجرورَ في موضعِ الحالِ، وحينئذٍ يَسْتحيلُ أَنْ تكونَ "مِنْ" مزيدةً، ولكنه يريدُ أنَّ هذا المجرورَ هو الحالُ نفسُه و"مِنْ" مزيدةٌ فيه، إلاَّ أنه لا تُحفظ زيادةُ "مِنْ" في الحالِ وإنْ كانَتْ منفيةً، وإنما حُفِظ زيادةٌ الباءِ فيها على خلافٍ في ذلك.
وقوله: ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ﴾ ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا﴾ إما قَدَّم الاسمَ على الفعل لمعنىً ذكرْتُه في قولِه تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ
. وقرأ الحَجَّاج "نتخذ مِنْ دونِك [أولياءَ]" فبلغ عاصماً فقال: "مُقِتَ المُخْدِجُ. أَوَ عَلِم أنَّ فيها "مِنْ"؟
قوله: ﴿وَلَاكِن مَّتَّعْتَهُمْ﴾ لَمَّا تََضَمَّن كلامُهم أنَّا لم نُضِلَّهم، ولم نَحْمِلْهم على الضلالِ، حَسُن هذا الاستدراكُ وهو أَنْ ذَكَرُوا سبَبَه أي: أَنْعَمْتَ عليهم وتَفَضَّلْتَ فَجَعَلوا ذلك ذَرِيْعةً إلى ضلالهم عكسَ القضية.
(١١/١٥٣)
---


الصفحة التالية
Icon