قوله: ﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ فيه وجهان، أحدهما: أنه نهيٌ. والثاني: أنه جوابٌ للأمرِ، وإذا كان نَهْياً ففيه وجهان، أحدُهما: أنه نهيٌ مستأنِفٌ لا تَعَلُّقَ له بما قبله من حيث الإعرابُ، وإنما هو نهيٌ للجنودِ في اللفظِ، وفي المعنى للنَّمْلِ أي: لا تكونوا بحيث يُحْطِموْنَكُمْ كقولهِم: "لا أُرَيَنَّك ههنا". والثاني: أنه بدلٌ من جملةِ الأمرِ قبلَه، وهي ادْخلوا. وقد تَعَرَّضَ الزمخشريُّ لذلك فقال: "فإنْ قلتَ: لا يَحْطِمَنَّكم ما هو؟ قتل: يُحتمل أَنْ يكونَ جواباً للأمرِ، وأَنْ يكونَ نهياً بدلاَ من الأمرِ. والذي جَوَّزَ أَنْ يكونَ بدلاً أ، ه في معنى: لا تكونوا حيث أنتم، فيَحْطِمَنَّكم، على طريقةِ "لا أُرَيَنَّك ههنا" أرادَتْ: لا يَحْطِمنكم جنودُ سليمان، فجاءت بما هو أبلغُ. ونحوُه "عَجِبْتُ من نفسي ومن إشْفاقِها". قال الشيخ: أمَّا تخريجُه على أنه جوابٌ للأمرِ فلا يكون ذلك إلاَّ على قراءةِ الأعمرِ فإنه مجزومٌ، مع أنه يُحْتمل أن يكونَ اشتئنافَ نهي" قلت: يعني أنَّ الأعمشَ قرأ "لا يَحْطِمْكم" بجزم الميمِ، دونَ نونِ توكيدٍ.
قال: وأمَّا مع جودِ نونِ التوكيد فلا يجوزُ ذلك، إلاَّ إنْ كان في شعرٍ، وإذا لم يَجُزْ ذلك في جوابِ الشرطِ إلاَّ في الشعر فأحرى أَنْ لا يجوزَ في جوابِ الأمرِ إلاَّ في الشعرِ. وكونُه جوابُ الأمرِ متنازعٌ فيه على ما قُرِّرَ في علمِ النحوِ. ومثالُ مجِيءِ النونِ في جوابِ الشرطِ قولُ الشاعر:
٣٥٤٦ـ نَبَتُّمْ نباتَ الخَيْزُرانةِ في الثَّرَى * حديثاً متى يأتِك الخيرُ يَنْفَعا
وقول الآخر:
٣٥٤٧ـ فمهما تَشَأْ منه فَزارةُ تُعطِكُمْ * ومهما تَشَأْ منه فَزارةُ تَمْنعا
(١١/٢٥٢)
---


الصفحة التالية
Icon