قوله: ﴿أَمْ كَانَ﴾ هذه "أم" المنطقعةُ وقد تقدَّم الكلامُ فيها. وقال أبن عطية: "قوله مالي لا أرى الهدهد" مَقْصَدُ الكلامِ: الهُدْهُدُ غاب، وكلنه أَخَذَ اللازمَ عن مُغَيَّبِه: وهو أَنْ لا يَراه، فاستفهم على جهةِ التوقُّفِ عن اللازمِ، وهذا ضَرْبٌ من الإِيجاز. والاستفهامُ الذي في قولهِ "مالي" نابَ منابَ الألفِ التي تحتاجُها أم". قال الشيخ: "فظاهرُ كلامِه أنَّ "ام" متصلةٌ، وأن الاستفهامَ الذي في قوله "مالي" ناب منابَ ألفِ الاستفهام. فمعناه: أغاب عني الآن فلم أَرَهُ حال التفقُّد أم كان مِمَّنْ غابَ قبلُ، ولم أَشْعُرْ بغَيْبَتِه؟". قلت: لا يُظَّنُّ بأبي محمد ذلك، فإنه لا يَجْهَلُ أنَّ شَرْطَ المتصلةِ تَقَدُّمُ همزةِ الاستفهامِ أو التسويةِ لا مطلقُ الاستفهامِ.
* ﴿ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾
قوله: ﴿عَذَاباً﴾: أي: تَعْذِيباً، فهو اسمُ مصدرٍ أو مصدرٌ على حَذْفِ الزوائد كـ﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾. وقد كتبوا "أو لأَاذْبَحَنَّه" بزيادةِ ألفٍ بين لامِ ألفٍ والذال. ولا يجوز أن يُقرأ بها. وهذا كما تقدم أنهم كتبوا "ولأَاوْضَعوا خلالَكم" بزيادة ألف بين لام ألف والواو.
قوله: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي﴾ قرأ ابنُ كثيرٍ بنون التوكيد المشددة، بعدها نونُ الوقايةِ. وهذا هو الأصلُ واتَّبع مع ذلك رَسْمَ مصحِفه. والبقاون بنونٍ مشدَّدَةٍ فقط. الأظهرُ نونُ التوكيدِ الشديدةِ، تُوُصِّل بكسرِها لياءِ المتكلم. وقيل بل هي نونُ التوكيدِ الخفيفةِ أُدْغِمَتْ في نونِ الوقايةِ. وليس بشيءٍ لمخالَفَةِ الفعلين قبلَه. وعيسى بن عمر بنونٍ مشددةٍ مفتوحة لم يَصِلْها بالياء.
* ﴿ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾
(١١/٢٥٦)
---