وأما قراءةُ الباقين فتحتاج إلى إمعانِ نَظَرٍ. وفيه أوجهٌ كثيرةٌ، أحدها: أنَّ "ألاَّ" أصلُها: أَنْ لا، ف"أنْ" ناصبةٌ للفعلِ بعدَها؛ ولذلك سَقَطَتْ نونُ الرفعِ، و"لا" بعدها حَرفُ نفيٍ. و"أنْ" وما بعدها في موضع مفعولِ "يَهْتَدون" على إسقاطِ الخافضِ، أي: إلى أن/ لا يَسْجُدوا. و"لا" مزيدةٌ كزيادتِها في ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾. الثاني: أنه بدلٌ مِ، ْ "أعمالَهم" وما بينهما اعتراضٌ تقديرُه: وزَيَّن لهم الشيطانُ عدمَ السجودِ لله. الثالث: أنه بدلٌ من "السبيل" على زيادة "لا" أيضاً. والتقديرُ: فصَدَّهم عن السجودِ لله تعالى. الرابع: أنَّ ﴿أَلاَّ يَسْجُدُواْ﴾ مفعول له. وفي متعلَّقه وجهان، أحدهما: أنه زَيَّن أي: زَيَّن لهم لأجلِ أَنْ لا يَسْجدُوا. والثاني: أنَّه متعلِّقٌ بـ"صَدَّهم" أي: صَدَّهم لأجلِ أَنْ لا يَسْجُدوا. وفي "لا" حينئذٍ وجهان، أحدهما: أنه ليسَتْ مزيدةً، بل نافيةٌ على معناها من النفي. والثاني: أنها مزيدةٌ والمعنى: وزَيَّن لهم لأجلِ توقُّعِه سُجودَهم، أو لأجْلِ خَوْفِه مِنْ سُجودِهم. وعدمُ الزيادةِ أظهرُ.
الخامس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ. وهذا المبتدأُ: إمَّا أَنْ يُقَدَّرَ ضميراً عائداً على "أعمالَهم" التقديرُ: هي لا يَسْجدوا، فتكون "لا" على بابِها من الفني، وإمَّا أن يُقَدَّرَ ضميراً عائداً على "السبيل". التقديرُ: هو أَنْ لا يَسْجُدوا فتكون "لا" مزيدةً على ما تقدَّم ليَصِحَّ المعنى.
وعلى الأوجهِ الأربعةِ المتقدمةِ لا يجوزُ الوقفُ على "يَهْتدون" لأنَّ ما بعدَه: إمَّا معمولٌ له أو لِما قبلَه مِنْ "زَيَّن" و"صَدَّ"، أو بدلٌ مِمَّا قبله أيضاً مِنْ "أعمالَهم" أو من "السبيل" على ما قُرِّر وحُرِّرَ، بخلافِ الوجهِ الخامسِ فإنه مبنيٌّ على مبتدأ مضمرٍ، وإن كان ذلك الضمير مُفَسَّراً بما سَبَقَ قبلَه.
(١١/٢٦٣)
---