قوله: ﴿فِي الآخِرَةِ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ "في" على بابها و"أَدْرَك" وإن كان ماضياً لفظاً فهو مستقبلٌ معنىً؛ لأنه كائنٌ قطعاً كقوله: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ وعلى هذا فـ"في" متعلقٌ بـ"ادَّاركَ". والثاني: أنَّ "في" بمعنى الباء أي بالآخرة. وعلى هذ فيتعلَّق بنفسِ عِلْمِهم كقولِك: "عِلْمي بزيدٍ كذا". وأمَّا قراءةُ مَنْ قرأ "بلى" فقال الزمخشري: "لَمَّا جاء بـ"بَلَى" بعد قولِه: ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ كان مَعْناه: "بلى يَشْعْرون" ثم فَسَّر/ الشعورَ بقولِه ﴿ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ﴾ على سبيلِ التهكمِ الذي معناه المبالغةُ في نَفْي العلمِ" ثم قال: و"أمَّا قراءةُ "بلى أَأَدْرك" على الاستفهامِ فمعناه: بلى يَشْعُرون متى يُبْعثون. ثم أ نكر علمَهم بكونِها، وإذا أنكر علمَهم بكونِها لم يتحصَّلْ لهم شعورٌ بوقتِ كونِها؛ لأنَّ العلمَ بوقتِ الكائنِ تابعٌ للعلم بكونِ الكائنِ" ثم قال: "فإنْ قلتَ ما معنى هذه الإضراباتِ الثلاثةِ؟ قتل: ما هي إلاَّ تنزيلٌ لأحوالِهم، وَصَفَهم أولاً بأنهم لا يَشْعُرون وقتَ البعثِ ثم بأنَّهم لا يعلمون أنَّ القيامةَ كائنةٌ ثم بأنَّهم يَخْبِطُون في شكٍّ ومِرْيَة". انتهى.
فإنْ قِيل: عَمِيَ" يتعَدَّى بـ"عن" تقول: عَمِيَ فلانٌ عن كذا فلِمَ عُدِّيَ بـ"مِنْ" في قولِه: "مِنْها عَمُوْن"؟ فالجوابُ: أنه جَعَلَ الآخرةَ مَبْدأ عَماهم ومَنْشَأَه.
* ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوااْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾
(١١/٢٩٥)
---