ومن التعقيدِ وهو: إمَّا إخلالُ نظمِ الكلامِ فلا يُدْرَى كيفُ يُتوصَّلُ إلى معناه كقوله:
٣٦١١ـ وما مثلُه في الناسِ إلاَّ مُمَلَّكاً * أبو أمِّه حيٌّ أبوه يُقارِبُهْ
وإمَّا عَدَمُ انتقالِ الذهنِ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني، الذي هو لازِمه والمرادُ به، ظاهراً كقوله:
٣٦١٢ـ سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا * وَتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُد
وخُلوصُ المتكلم من النطقِ بجميع ذلك فصارتِ الفصاحةُ يوصف بها ثلاثةُ أشياءَ: الكلمةُ والكلامُ والتكلمُ بخلاف البلاغةِ فإنه لا يُوْصَفُ بها إلاَّ الأخيران. وهذا له موضوعٌ يُوَضَّحُ فيه، وإنما ذكَرْتُ لك ما ينبِّهُك على أصلِه.
و[قوله]: "لِساناً" تمييز.
قوله: "رِدْءاً" منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعهنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط: دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس: "يقال: "رَدَأْته وأَرْدَأْته".
وقال سلامة بن جندل:
٣٦١٣ـ ورِدْئي كلُّ أبيضَ مَشْرَفيٍّ * شَحيذِ الحَدِّ ابيضَ ذي فُلولِ
وقال آخر:
٣٦١٤ـ ألم تَرَ أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئي * وخيرَ الناسِ في قُلٍّ مالِ
وقرأ نافع "رِدا" بالنقل، وأبو جعفر كذلك إلاَّ أنه لم يُنَوِّنْه كأنه أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الوقفِ. ونافعٌ ليس من قاعدتِه النقلُ في كلمةٍ إلاَّ هنا. وقيل: ليس فيه نَقْلٌ وإنما هو مِنْ أَرْدَى على كذا. أي: زاد. قال الشاعر:
٣٦١٥ـ وأسمرَ خَطِّيّاً كأنَّ كُعُوبَه * نوَى القَسْبِ قد أَرْدَى ذِراعاً على العَشْرِ
أي: زاد [وأنشده الجوهريُّ: قد أَرْبَى، وهو بمعناه].
(١١/٣٢٤)
---