}. الخامس: أن تعودَ الهاء [على الله تعالى] وأَنْ يكون "خَلْقَه" منصوباً على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمون الجملةِ كقولِه: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾، وهو مذهبُ سيبويه أي: خَلَقَه خَلْقاً. ورُجِّحَ على بدلِ الاشتمال: بأنَّ فيه إضافةَ المصدرِ إلى فاعِله، وهو أكثرُ مِنْ إضافتِه إلى المفعول، وبأنه أبلغُ في الامتنانِ لأنه إذا قال: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ كان أبلغَ مِنْ "أَحْسَنَ خَلْقَ كلِّ شيء"؛ لأنه قد يَحْسُنُ الخلقُ - وهو المحاولةُ - ولا يكون الشيء في نفسِه حَسَناً. وإذا قال: أحسنَ كلَّ شيْءٍ اقتضى أنَّ كلَّ شيءٍ خَلَقَه حَسَنٌ، بمعنى أنه وَضَعَ كلَّ شيءٍ في موضعِه.
وأمَّا القراءةُ الثانية فـ "خَلَقَ" فيها فعلٌ ماضٍ، والجملةُ صفةٌ للمضافِ أو المضافِ إليه، فتكونُ منصوبةَ المحلِّ أو مجرورتَه.
قوله: "وَبَدَأ" العامَّةُ على الهمزِ. وقرأ الزهريُّ "بدا" بألفٍ خالصةٍ، وهو خارجٌ عن قياسِ تخفيفِها، إذ قياسُه بينَ بينَ. على أن الأخفش حكى "قَرَيْتُ" وجوَّز الشيخ أن يكونَ مِنْ لغةِ الأنصار. يقولون في بدأ: "بَدِي" يكسِرون الدالَ وبعدها ياءٌ، كقولِ عبدِ الله بن رواحة الأنصاري:
٣٦٦٩- بسمِ الإِلهِ وبه بَدِيْنا * ولو عَبَدْنا غيرَه شَقِيْنا
قال: "وطيِّئٌ تقول في بَقِي: بَقَا". قال: "فاحتمل أَنْ تكونَ قراءةُ الزهري من هذه اللغةِ، أصلُه بَدِي، ثم صار بدا". قلت: فتكون القراءةُ مركبةً مِنْ لغتَيْن.
* ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾
قوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ﴾: هذا التفاتٌ مِنْ ضميرِ غائبٍ مفردٍ في قوله: "نَسْلَه" إلى آخره، إلى خطاب جماعة.
* ﴿ وَقَالُوااْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ﴾
(١٢/٨)
---


الصفحة التالية
Icon